لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة الحشر فقال قل سورة النضير ، وهي مدنية أربع وعشرون آية وأربعمائة وخمس وأربعون كلمة وألف وتسعمائة وثلاثة عشر حرفا .

قوله عز وجل :{ سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم } قال المفسرون : نزلت هذه السورة في بني النضير وهم طائفة من اليهود وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وظهر على المشركين قال بنو النضير والله إنه النبي الأمي الذي نجد نعته في التوراة لا ترد له راية فلما غزا أحداً وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وركب كعب بن الأشرف في أربعين راكباً من اليهود إلى مكة فأتوا قريشاً فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد صلى الله عليه وسلم ودخل أبو سفيان في أربعين من قريش وكعب بن الأشرف في أربعين من اليهود المسجد الحرام وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين أستار الكعبة ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان وأمره بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة غيلة » وقد تقدمت القصة في سورة آل عمران وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع منهم على خيانة حين أتاهم يستعينهم في دية الرجلين المسلمين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري في منصرفه من بئر معونة فهموا بطرح حجر على النبي صلى الله عليه وسلم من الحصن فعصمه الله منهم و أخبره بذلك وقد تقدمت القصة في سورة المائدة .

فلما قتل كعب بن الأشرف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير وكانوا بقرية يقال لها زهرة ، فلما سار إليها النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف ، فقالوا يا محمد واعية على أثر واعية وباكية على أثر باكية ، قال نعم ، فقالوا ذرنا نبك شجونا ثم ائتمر أمرك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اخرجوا من المدينة فقالوا الموت أقرب إلينا من ذلك ثم تنادوا بالحرب وأذنوا بالقتال ودس المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه إليهم أن لا تخرجوا من الحصين فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم ولئن أخرجتم لنخرجن معكم فدربوا على الأزقة وحصنوها ثم إنهم أجمعوا على الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا إليه أن اخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك فيسمعوا منك ، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبراً من اليهود حتى كانوا في براز من الأرض ، فقال بعض اليهود لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه كلهم يحب الموت قبله ولكن أرسلوا إليه كيف نفهم ونحن ستون اخرج في ثلاثة من أصحابك ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا فيسمعون منك فإن آمنوا بك آمنا بك وصدقناك ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود معهم الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أخوها سريعاً حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فساره بخبرهم قبل أن يصل إليهم فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد صبحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة فقذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به فقبلوا ذلك فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من أموالهم إلا الحلقة وهي السلاح وعلى أن يخلوا لهم ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم .

وقال ابن عباس : على أن يحمل كل أهل بيت على بعير ما شاؤوا من متاعهم وللنبي صلى الله عليه وسلم ما بقي ، وقيل أعطى كل ثلاثة نفر بعيراً وسقاء ففعلوا ذلك وخرجوا من ديارهم إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة ، فلذلك قوله عز وجل : { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب . . . } .