التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحشر :

جل هذه السورة في صدد إجلاء فريق من اليهود عن المدينة ، وما كان من مواقف المنافقين فيه ، وتشريع للفيء ومداه وما كان من تشاد حوله ، وفيها أكبر مجموعة لأسماء الله الحسنى . والمرجع أنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة حسب ما جاءت في المصحف .

والمفسرون وكتاب السيرة متفقون{[1]} على أن الفريق اليهودي هم بنو النضير إحدى قبائل اليهود الإسرائيليين الذين كانوا يقيمون في المدينة ، ومتفقون{[2]} كذلك على أن حادثهم وقع بعد نحو خمسة أشهر من وقعة أحد . والمعقول أن يكون ترتيبها بعد سورة آل عمران التي احتوت مشاهد وظروف هذه الواقعة . غير أن الذين يروون ترتيب السور المدنية حسب النزول يجعلونها الخامسة عشر ، ويجعلون سورة الممتحنة التي احتوت الإشارة إلى أحداث وقعت بعد صلح الحديبية مكانها بعد سورة آل عمران ، ثم يجعلونها بعد الممتحنة سورة الأحزاب التي احتوت الإشارة إلى وقعتي الأحزاب أو الخندق وبني قريظة اللتين وقعتا بعد مدة ما من وقعة بني النضير وليس في هاتين السورتين ما يبرر تقديمهما على سورة الحشر ، وليس في سورة الحشر ما يبرر تأخيرها عنهما ، بل وعن غيرهما حتى تكون الخامسة عشرة في الترتيب . ومن العجيب أن رواة الترتيب لم ينتبهوا إلى ما في ذلك من شذوذ واستحالة . ويبدو لنا أنهم خلطوا بين سورتي الحشر والممتحنة ، وبدلا من أن يجعلوا الحشر بعد آل عمران جعلوا الممتحنة غلطا{[3]} .

ولما كان هذا عندنا في درجة اليقين ؛ لأنه قائم على واقع قائم على واقع متفق عليه فقد رأينا أن نخل بالترتيب الذي تابعنا فيه المصحف الذي اعتمدناه وجل روايات الترتيب معا ، فنجعل سورة الحشر بعد آل عمران بدلا من سورة الممتحنة ، ونقدم سورة الفتح التي يؤخرها الرواة كثيرا حتى يجعلوها الثانية والعشرين أو السادسة والعشرين ، والتي نزلت في حادث صلح الحديبية بدون أي مبرر ، ثم نجعل بعدها سورة الممتحنة ؛ لأن ذلك يتسق مع التسلسل الزمني لوقائع السيرة النبوية . وهو الذي قصدنا إليه حينما اعتزمنا على جعل تفسيرنا للسور وفق روايات ترتيب النزول .

هذا ، ويسمي المفسرون سورة الحشر باسم بني النضير عزوا إلى ابن عباس وغيره{[4]} ؛ لأنها نزلت في صدد وقعتهم .

( 1 ) من حيت لم يحتسبوا : من حيث لم يظنوا ويحسبوا حسابه .

بسم الله الرحمان الرحيم :

/خ1


[1]:التاج جـ 5 ص 382.
[2]:كتب السيد رشيد رضا في تفسيره في صدد هذه النقطة وفي سياق آية مماثلة للآية هنا وهي الآية [128] من سورة الأنعام أكثر من خمس وعشرين صفحة استعرض فيها أقوال من يقول بالتأييد ومن يقول بخلافه وأورد حججهم النقلية والعقلية وانتهى إلى إناطة الأمر إلى حكمة الله ورحمته وعدله.
[3]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[4]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.