صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسۡـَٔمُونَ۩} (38)

{ فالذين عند ربك } هم الملائكة . والعندية : عندية مكانة وتشريف ، لا عندية مكان ؛ فهي على حد : ( أنا عند ظن عبدي بي ) . { وهم لا يسأمون } لا يملون تسبيحه وعبادته ؛ من السآمة وهي الملالة والضجر مما يكرر فعله [ آية 282 البقرة ص 93 ] . يقال : سئم الشيء ومنه يسأم سأما وسآما وسأمة وسآمة ، أي مله .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسۡـَٔمُونَ۩} (38)

لا يسأمون : لا يملّون .

فإن استكبر هؤلاء المشركون الذي يعبدون غير الله عن السجود ، فإن الله لا يعبأ بهم ، فعنده الملائكة يسبّحون له بالليل والنهار ، لا يملّون من ذلك ولا يسأمون .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسۡـَٔمُونَ۩} (38)

" فإن استكبروا " يعني الكفار عن السجود لله " فالذين عند ربك " من الملائكة " يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون " أي لا يملون عبادته . قال زهير :

سئِمْتُ تكاليفَ الحياة ومن يعش *** ثمانين حَوْلاً لا أبَا لك يَسْأَمِ

مسألة : هذه الآية آية سجدة بلا خلاف ، واختلفوا في موضع السجود منها . فقال مالك : موضعه " إن كنتم إياه تعبدون " ؛ لأنه متصل بالأمر . وكان علي وابن مسعود وغيرهم يسجدون عند قوله : " تعبدون " . وقال ابن وهب والشافعي : موضعه " وهم لا يسأمون " لأنه تمام الكلام وغاية العبادة والامتثال . وبه قال أبو حنيفة . وكان ابن عباس يسجد عند قوله : " يسأمون " . وقال ابن عمر : اسجدوا بالآخرة منهما . وكذلك يروى عن مسروق وأبي عبد الرحمن السلمي وإبراهيم النخعي وأبي صالح ويحيى بن وثاب وطلحة وزبيد الياميين{[13443]} والحسن وابن سيرين . وكان أبو وائل وقتادة وبكر بن عبد الله يسجدون عند قوله : " يسأمون " . قال ابن العربي : والأمر قريب .

مسألة : ذكر ابن خويز منداد : أن هذه الآية تضمنت صلاة كسوف القمر والشمس ؛ وذلك أن العرب كانت تقول : إن الشمس والقمر لا يكسفان إلا لموت عظيم ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف .

قلت : صلاة الكسوف ثابتة في الصحاح البخاري ومسلم وغيرهما . واختلفوا في كيفيتها اختلافا كثيرا ، لاختلاف الآثار ، وحسبك ما في صحيح مسلم من ذلك ، وهو العمدة في الباب . والله الموفق للصواب .


[13443]:هذه النسبة إلى يامة بطن من همدان.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسۡـَٔمُونَ۩} (38)

{ الذين عند ربك } الملائكة .

{ لا يسأمون } أي : لا يملون .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسۡـَٔمُونَ۩} (38)

ولما كانوا في هذا الأمر بين طاعة ومعصية ، وكان درء المفاسد مقدماً ، سبب عن ذلك قوله معبراً بأداة الشك تنبيهاً لهم على أن استكبارهم بعد إقامة هذه الأدلة ينبغي أن لا يتوهم ، وصرف القول إلى الغيبة تحقيراً لهم وإبعاداً على تقدير وقوع ذلك منهم { فإن استكبروا } أي أوجدوا الكبر عن اتباعك فيما أمرتهم به من التوحيد فلم يوحدوا الله ولم ينزهوه تعالى عن الشريك { فالذين عند } وأظهر موضع الإضمار معبراً بوصف الإحسان بشارة له ونذارة لهم { ربك } خاصة لا عندهم لكونهم مقربين لديه في درجة الرضاء والكرامة ولكونهم مما يستغرق به الآدميون ولكون الكفار لا قدرة لهم على الوصول إليهم بوجه : { يسبحون له } أي يوقعون التنزيه عن النقائص ويبعدون عن الشركة لأجل علوه الأقدس وعزه الأكبر لا لشيء غيره إخلاصاً في عبادته وهم لا يستكبرون .

ولما كان حال الكفار في الإخلاص مختلفاً في الشدة والرخاء ، أشار إلى تقبيح ذلك منهم بتعميم خواصه عليهم الصلاة والسلام بالإخلاص حالتي الإثبات الذي هو حالة بسط في الجملة ، والمحو الذي هو حالة قبض كذلك يجددون هذا التنزيه مستمرين عليه في كل وقت فقال : { بالليل والنهار } أي على مر الملوين وكر الجديدين لا يفترون . ولما كان في سياق الفرص لاستكبارهم المقتضي لإنكارهم ، أكد بالعاطف والضمير فقال مؤذناً بأن هذا ديدنهم لا ينفكون عنه : { وهم } أي والحال أنهم على هذا الدوام { لا يسئمون * } أي لا يكاد لهم في وقت من الأوقات فتور ولا ملل ، فهو غني عن عبادة هؤلاء بل وعن عبادة كل عابد ، والحظ الأوفر لمن عنده وأما هو سبحانه فلا يزيده شيئاً ولا ينقصه شيء فدع هؤلاء إن استكبروا وشأنهم ، فسيعلمون من الخاسر ، فالآية من الاحتباك : ذكر الاستكبار أولاً دليلاً على حذفه ثانياً والتسبيح ثانياً دليلاً على حذفه أولاً ، وسر ذلك أنه ذكر أقبح ما لأعدائه وأحسن ما لأوليائه .