نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسۡـَٔمُونَ۩} (38)

ولما كانوا في هذا الأمر بين طاعة ومعصية ، وكان درء المفاسد مقدماً ، سبب عن ذلك قوله معبراً بأداة الشك تنبيهاً لهم على أن استكبارهم بعد إقامة هذه الأدلة ينبغي أن لا يتوهم ، وصرف القول إلى الغيبة تحقيراً لهم وإبعاداً على تقدير وقوع ذلك منهم { فإن استكبروا } أي أوجدوا الكبر عن اتباعك فيما أمرتهم به من التوحيد فلم يوحدوا الله ولم ينزهوه تعالى عن الشريك { فالذين عند } وأظهر موضع الإضمار معبراً بوصف الإحسان بشارة له ونذارة لهم { ربك } خاصة لا عندهم لكونهم مقربين لديه في درجة الرضاء والكرامة ولكونهم مما يستغرق به الآدميون ولكون الكفار لا قدرة لهم على الوصول إليهم بوجه : { يسبحون له } أي يوقعون التنزيه عن النقائص ويبعدون عن الشركة لأجل علوه الأقدس وعزه الأكبر لا لشيء غيره إخلاصاً في عبادته وهم لا يستكبرون .

ولما كان حال الكفار في الإخلاص مختلفاً في الشدة والرخاء ، أشار إلى تقبيح ذلك منهم بتعميم خواصه عليهم الصلاة والسلام بالإخلاص حالتي الإثبات الذي هو حالة بسط في الجملة ، والمحو الذي هو حالة قبض كذلك يجددون هذا التنزيه مستمرين عليه في كل وقت فقال : { بالليل والنهار } أي على مر الملوين وكر الجديدين لا يفترون . ولما كان في سياق الفرص لاستكبارهم المقتضي لإنكارهم ، أكد بالعاطف والضمير فقال مؤذناً بأن هذا ديدنهم لا ينفكون عنه : { وهم } أي والحال أنهم على هذا الدوام { لا يسئمون * } أي لا يكاد لهم في وقت من الأوقات فتور ولا ملل ، فهو غني عن عبادة هؤلاء بل وعن عبادة كل عابد ، والحظ الأوفر لمن عنده وأما هو سبحانه فلا يزيده شيئاً ولا ينقصه شيء فدع هؤلاء إن استكبروا وشأنهم ، فسيعلمون من الخاسر ، فالآية من الاحتباك : ذكر الاستكبار أولاً دليلاً على حذفه ثانياً والتسبيح ثانياً دليلاً على حذفه أولاً ، وسر ذلك أنه ذكر أقبح ما لأعدائه وأحسن ما لأوليائه .