اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسۡـَٔمُونَ۩} (38)

قوله : { فَإِنِ استكبروا } أي عن السجود { فالذين عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بالليل والنهار وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ } لا يَمَلُّونَ .

فإن قيل : إن الذين يسجدون للشمس والقمر يقولون نحن أقلّ وأذلّ من أن يحصُل لنا أهليَّةٌ لعبادة الله تعالى ولكنا عبيدٌ للشمس والقمر وهما عبدان لله تعالى ، وإذا كان قولهم هكذا فكيف يليق بهم أنهم استكبروا عن السجود لله تعالى ؟ ! .

فالجواب : ليس المراد من الاستكبار ههنا ما ذكرتم بل المراد استكبارهُم عن قول قولك يا محمد بالنهي عن السجود للشمس والقمر{[48867]} .

فصل

قال ابن الخطيب ليس المراد بهذه العِنديَّة قرب المكان ، بل يقال : عند المَلِك من الجُند كذا وكذا ، ويدل عليه قوله : «أنا عِنْدَ ظَنَّ عَبْدِي بِي »{[48868]} وأنا عِنْدَ المُنْكَسِرَة قُلُوبُهُم من أجلي في مقعدٍ صدقٍ عند ملكٍ مُقتدرٍ ، ويقال : عند الشافعي : أنَّ المُسْلم لا يُقْتَلُ بالذِّمِّيِّ .

فصل

دلَّت هذه الآية على أن المَلِكَ أفضل من البشر ؛ لأنه إنما يُسْتَدَلُّ بحال الأعلى على الأدنى فيقال : هؤلاء القوم{[48869]} إن استكبروا عن طاعة فلان ، فالأكابر يخدمونه .

فإن قيل : وصف الملائكة بأنهم يسبحون له بالليل والنهار لا يفترون ، وهذا يدل على مواظبتهم على التسبيح لا ينفكون عنه لحظةً واحدة كما قال : { يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 20 ] واشتغالهم بهذا العمل على سبيل الدوام يمنعهم من الاشتغال بسائر الأعمال لكنهم ينزلون على الأرض ، كما قال تعالى { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 - 194 ] وقال { وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } [ الحجر : 51 ] وقال { عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ } [ التحريم : 6 ] وقال عن الذين قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ } [ آل عمران : 125 ] .

فالجواب : أن الذين ذكرهم الله ههنا بكونهم مواظبين على التسبيح أقوام مُعيَّنُونَ من الملائكة .

فصل

اختلفوا في مكان السجدة فقال الشافعي رحمهُ الله هو عند قوله تعالى «إِيَّاهنُ تَعْبُدُونَ »{[48870]} وقال أبو حنيفة رضي الله : هو عند قوله تعالى «وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ »{[48871]} .


[48867]:المرجع السابق.
[48868]:سبق هذا الحديث.
[48869]:لفظ إن سقط من أ الأصل.
[48870]:وهو قول مالك أيضا.
[48871]:قال ابن وهب ونقل القرطبي في الجامع عكس ما قال المؤلف، انظر الجامع 15/364.