تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسۡـَٔمُونَ۩} (38)

الآية 38 [ وقوله تعالى ]{[18526]} : { فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا } قد ذكرنا في ما تقدم أن لا أحد يقصد قصد الاستكبار على الله . ثم يخرّج ذلك على وجهين :

أحدهما : أنهم قد أُمروا بطاعة الرسل عليهم السلام فاستكبروا على الائتمار لهم لمّا دعوهم إليه ، فيصير استكبارهم عليه كالاستكبار{[18527]} على الله تعالى .

والثاني : لما تركوا عبادة الله تعالى [ وقد ]{[18528]} جعل في أنفسهم دلالة العبادة لله تعالى ، فإذا تركوا العبادة لله تعالى فقد تركوا الائتمار بأمره ، لم يعتقدوا الائتمار لذلك الأمر ، فيكون [ ذلك ]{[18529]} استكبارا عليه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } [ يحتمل وجهين :

أحدهما : إن ]{[18530]} استكبر هؤلاء على عبادة الله تعالى ، فأوحشك ذلك ، فاذكر من عنده من الملائكة { يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } حتى تستأنس بذلك ، والله أعلم . وهو كقوله : { ولقد استُهزئ برسل من قبلك } [ الأنعام : 10 ] كان مُستوحِشًا باستهزائهم به ، فذكر له استهزاء أولئك بإخوانه ليقل ذلك فيه ويعلم{[18531]} أنه ليس أول من استُهزئ به . فهذا مثله .

والثاني : وإن استكبر هؤلاء على عبادة الله ، وقد عبدوا الملائكة والأصنام وغيرهم ، فالذين عند ربهم ممن عبدهم هؤلاء لم يستكبروا ، بل هم مسبّحون { له بالليل والنهار وهم لا يسئمون } وهو كقوله{[18532]} تعالى : { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } الآية { الإسراء : 57 ] وكقوله تعالى : { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } [ النساء : 172 ] يقول : لن يستنكف هؤلاء عن أن يكونوا عبيدا لله ، فالمسيح ومن ذكر لم يستنكفوا عن ذلك .

وقوله تعالى : { وهم لا يسئمون } يخبر أنهم لا يسأمون عن عبادته كما يسأم البشر أحيانا عن عبادته ، والله أعلم .


[18526]:من م، ساقطة من الأصل.
[18527]:من م، في الأصل: كاستكبار.
[18528]:في الأصل وم: و
[18529]:ساقطة من الأصل وم.
[18530]:في الأصل وم: يقول والله أعلم فإن.
[18531]:في الأصل وم: لما علم.
[18532]:من م، في الأصل: قوله.