{ إن الأبرار } بيان لجزاء الشاكرين إثر بيان جزاء الكافرين . والأبرار : جمع بر ، أو بار . والبر : المطيع المتوسع في فعل الخير . وقد ذكر الله من أوصافهم التي استحقوا بها هذه الكرامة : أنهم يوفون بالنذر ، ويخافون الآخرة ، ويواسون المساكين واليتامى والأسرى . وبين جزاءهم في الآيات التالية التي آخرها آية 22{ يشربون من كأس } أي من خمر . أو من إناء فيه خمر . وإطلاق الكأس على الثاني حقيقة ، وعلى الأول مجاز وهو المراد هنا ؛ لقوله تعالى : { كان مزاجها كافورا } والكافور : لا يمزج بالإناء ، وإنما يمزج بالخمر التي فيه . والمزاج : ما يمزج به . والكافور : طيب معروف فيه بياض وبرودة ، وله رائحة طيبة . والمراد : كان شوبها ماء يشبه الكافور في أوصافه . أو أنه تعالى جعل في خمر الجنة الأوصاف المحمودة في الكافور . وعبر عن ذلك بالمزاج على سبيل التجوز . وعن ابن عباس : كل ما ذكر في القرآن مما في الجنة وسماه ليس له من الدنيا شبيه إلا في الاسم . فالكافور والزنجيل ، والأشجار والقصور ، والمأكول والمشروب ، والملبوس والثمار ، لا يشبه ما في الدنيا إلا في مجرد الاسم . والله سبحانه وتعالى يرغب الناس ويطعمهم بأن يذكر لهم أحسن شيء وألذه وأطيبه مما يعرفونه في الدنيا ؛ لأجل أن يرغبوا ويسعوا فيما يوصلهم إلى هذا النعيم المقيم .
وأما { الْأَبْرَارِ } وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته ، والأخلاق الجميلة ، فبرت جوارحهم{[1305]} ، واستعملوها بأعمال البر أخبر أنهم { يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ } أي : شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور أي : خلط به ليبرده ويكسر حدته ، وهذا الكافور [ في غاية اللذة ] قد سلم من كل مكدر ومنغص ، موجود في كافور الدنيا ، فإن الآفة الموجودة في الأسماء التي ذكر الله أنها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الآخرة{[1306]} .
كما قال تعالى : { فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ } { وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } { لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ } { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ } .
{ إن الأبرار } يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم المطيعين لربهم ، واحدهم بار ، مثل : شاهد وأشهاد ، وناصر وأنصار ، وبر أيضاً مثل : نهر وأنهار ، { يشربون } في الآخرة ، { من كأس } فيه شراب { كان مزاجها كافورا } قال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك . قال عكرمة : { مزاجها } طعمها ، وقال أهل المعاني : أراد كالكافور في بياضه وطيب ريحه وبرده ، لأن الكافور لا يشرب ، وهو كقوله : { حتى إذا جعله ناراً }( الكهف- 96 ) أي كنار . وهذا معنى قول قتادة ومجاهد : يمازجه ريح الكافور . وقال ابن كيسان : طيبت بالكافور والمسك والزنجبيل . وقال عطاء والكلبي : الكافور اسم لعين ماء في الجنة .
ولما أوجز في جزاء الكافر ، أتبعه جزاء الشاكر وأطنب فيه تأكيداً للترغيب ، فإن النفوس بعد كسر الوعيد لها تهتز{[70573]} لأدنى وعد وأقله فكيف بأتمه وأجله ، فقال مستأنفاً مؤكداً لتكذيب{[70574]} الكافر مبيناً بذكر الخمر على هذه الصفة أنهم في أنهى ما يكون من رغد العيش لأنه يلزم{[70575]} من شربها جميع مقدماتها ومتمماتها : { إن الأبرار } بخصوصهم من عموم الشاكرين جمع بر كأرباب جمع رب ، أو بار كأشهاد جمع شاهد ، وهم الذين سمت هممهم عن المستحقرات فظهرت{[70576]} في قلوبهم ينابيع{[70577]} الحكمة فأنفقوا من مساكنة الدنيا { يشربون } أي ما يريدون شربه { من كأس } أي خمر - قاله الحسن وهو{[70578]} اسم لقدح تكون فيه{[70579]} { كان مزاجها } أي الذي{[70580]} تمزج به { كافوراً * } أي لبرده{[70581]} وعذوبته وطيب عرفه ، وذكر فعل الكون يدل على أن{[70582]} له شأناً{[70583]} في المزج عظيماً{[70584]} يكون فيه كأنه من نفس الجبلة لا كما يعهد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.