فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ يَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسٖ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} (5)

ولما أوجز في جزاء الكافرين ذكر ما أعده للشاكرين وأطنب تأكيدا للترغيب فقال : { إن الأبرار يشربون من كأس } الأبرار أهل الطاعة والإخلاص والصدق جمع بر أو بار ، قال في الصحاح : جمع البر الأبرار ، وجمع البار البررة ، وفلان يبر خالقه ويبرره أي يطيعه ، وقال الحسن : البر الذي لا يؤذي الذر ، وقال قتادة : الأبرار الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر ، وقيل هم الصادقون في إيمانهم المطيعون لربهم الذين سمت همتهم عن المحقرات فظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة ، وقيل سماهم الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء ، والكأس في اللغة هو الإناء الذي فيه الشراب ، وإذا لم يكن فيه الشراب لم يسم كأسا ، بل هو إناء ، ولا وجه لتخصيصه بالزجاجة بل يكون من الزجاج ومن الذهب والفضة والصيني وغير ذلك ، وقد كانت كؤوس العرب من أجناس مختلفة ، وقد يطلق الكأس على نفس الخمر كما في قول الشاعر :

وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها

{ كان مزاجها كافورا } أي ما يخالطها وتمزج به ، يقال مزجه يمزجه مزجا أي خلطه يخلطه خلطا ومنه مزاج البدن وهو ما يمازجه من الإخلاط ، والكافور قيل هو اسم عين في الجنة يقال لها الكافور أي تمزج خمر الجنة بماء هذه العين ، وقال قتادة ومجاهد : تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك ، وقال عكرمة : مزاجها طعمها ، وقيل إنما الكافور في ريحها لا في طعمها ، وقيل إنما أراد الكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده ، لأن الكافور لا يشرب كما في قوله { حتى إذا جعله نارا } أي كنار ، وقال ابن كيسان : طيبها المسك والكافور والزنجبيل ، وقال مقاتل : ليس هو كافور الدنيا وإنما سمى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي له القلوب .

والجملة في محل جر صفة لكأس ، وقيل إن " كان " ههنا زائدة أي من كأس مزاجها كافورا ، وقرأ عبد الله قافورا بالقاف بدل الكاف ، قال السمين وهذا من التعاقب بين الحرفين .