ولما أوجز في جزاء الكافر أتبعه جزاء الشاكر وأطنب تأكيداً للترتيب فقال تعالى : { إنّ الأبرار } جمع برّ كأرباب جمع رب أو بار كأشهاد جمع شاهد ، وفي الصحاح وجمع البار البررة وهم الصادقون في أيمانهم المطيعون لربهم الذين سمت همتهم عن المستحقرات فظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة ، وروى ابن عمر رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إنما سماهم الله تعالى الأبرار ؛ لأنهم برّوا الآباء والأبناء كما أن لوالديك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حق » . وقال الحسن رضي الله عنه : البرّ الذي لا يؤذي الذرّ . وقال قتادة رضي الله عنه : الأبرار الذين يؤدّون حق الله ويوفون بالنذر . وفي الحديث «الأبرار الذين لا يؤذون أحداً » .
{ يشربون من كأس } هو إناء شرب الخمر وهي فيه والمراد من خمر تسمية للحالّ باسم المحل ومن للتبعيض { كان مزاجها } أي : ما تمزج به { كافوراً } لبرده وعذوبته وطيب عرفه ، وذكر فعل الكون يدل على أنّ له شأناً في المزج عظيماً يكون فيه كأنه من نفس الجبلة لا كما يعهد ، والكافور نبت معروف وكان اشتقاقه من الكفر وهو الستر لأنه يغطي الأشياء برائحته والكافور أيضاً كمام الشجر الذي هو ثمرتها ، والكافر البحر ، والكافر الليل ، والكافر الساتر لنعم الله تعالى ، والكافر الزارع لتوريته الحب في الأرض ، قال الشاعر :
وكافر مات على كفره *** وجنة الفردوس للكافر
والكفارة تغطية الإثم في اليمين الفاجرة والنذور الكاذبة بالمغفرة ، والكافور : ماء جوف الشجر مكفور فيغرزونه بالحديد فيخرج إلى ظاهر الشجر فيضربه الهواء فيجمد وينعقد كالصمغ الجامد على الأشجار .
فإن قيل : مزج الكافور بالمشروب لا يكون لذيذاً فما السبب في ذكره ؟ أجيب : بأوجه :
أحدها : قال ابن عباس رضي الله عنهما : الكافور اسم عين في الجنة يقال لها عين الكافور ، أي : يمازجها ماء هذه العين التي تسمى كافوراً في بياض الكافور ورائحته وبرده ولكن لا يكون فيه طعمه ولا مضرّته .
ثانيها : أنّ رائحة الكافور عرض ، والعرض لا يكون إلا في جسم فخلق الله تعالى تلك الرائحة في جرم ذلك الشراب ، فسمي ذلك الجسم كافوراً وإن كان طعمه طيباً فيكون الكافور ريحها لا طعمها .
ثالثها : أنّ الله تعالى يخلق الكافور في الجنة مع طعم طيب لذيذ ويسلب عنه ما فيه من المضرّة ، ثم إنه تعالى يمزجه بذلك الشراب كما أنه تعالى يسلب عن جميع المأكولات والمشروبات ما معها في الدنيا من المضارّ وقال سعيد عن قتادة رضي الله عنهم : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك . وقيل : يخلق فيها رائحة الكافور وبياضه فكأنها مزجت بالكافور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.