فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ يَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسٖ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} (5)

ثم ذكر سبحانه ما أعدّه للشاكرين فقال : { إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } الأبرار : أهل الطاعة والإخلاص ، والصدق جمع برّ أو بارّ . قال في الصحاح : جمع البرّ الأبرار ، وجمع البارّ البررة ، وفلان يبرّ خالقه ويبرره : أي يطيعه . وقال الحسن : البرّ الذي لا يؤذي الذر . وقال قتادة : الأبرار الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر . والكأس في اللغة هو الإناء الذي فيه الشراب ، وإذا لم يكن فيه الشراب لم يسمّ كأساً ، ولا وجه لتخصيصه بالزجاجة ، بل يكون من الزجاج ومن الذهب والفضة والصيني وغير ذلك ، وقد كانت كاسات العرب من أجناس مختلفة ، وقد يطلق الكأس على نفس الخمر ، كما في قول الشاعر :

وكأس شربت على لذة *** وأخرى تداويت منها بها

{ كَانَ مِزَاجُهَا كافوراً } أي يخالطها وتمزج به ، يقال : مزجه يمزجه مزجاً : أي خلطه يخلطه خلطاً ، ومنه قول الشاعر :

كأن سبية من بيت رأس *** كان مزاجها عسل وماء

وقول عمرو بن كلثوم :

صددت الكأس عنا أمّ عمرو *** وكان الكأس مجراها اليمينا

معتقة كأن الخصّ فيها *** إذا ما الماء خالطها سخينا

ومنه مزاج البدن ، وهو ما يمازجه من الأخلاط ، والكافور قيل : هو اسم عين في الجنة يقال لها الكافوري تمزج خمر الجنة بماء هذه العين . وقال قتادة ومجاهد : تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك . وقال عكرمة : مزاجها طعمها ، وقيل : إنما الكافور في ريحها لا في طعمها . وقيل : إنما أراد الكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده ، لأن الكافور لا يشرب كما في قوله :

{ حتى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } [ الكهف : 96 ] أي كنار . وقال ابن كيسان : طيبها المسك والكافور والزنجبيل . وقال مقاتل : ليس هو كافور الدنيا ، وإنما سمى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي له القلوب ، والجملة في محل جرّ صفة لكأس . وقيل : إن كان هنا زائدة : أي من كأس مزاجها كافوراً .

/خ12