قوله تعالى : { إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } الآية . لما ذكر ما أعد للكافرين ذكر ما أعد للشاكرين ، والأبرار أهل الصدق ، واحدهم : برّ ، وهو من امتثل أمر الله تعالى .
وقيل : البر : الموحد ، والأبرار : جمع «بار » مثل : «شاهد وأشهاد » .
وقيل : هو جمع «بر » مثل : «نهر وأنهار » .
وفي «الصحاح »{[58829]} : وجمع البر : الأبرار ، وجمع البار : البررة ، وفلان يبرُّ خالقه ويتبرره أي يطيعه ، والأم برة بولدها .
وروى ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنَّما سمَّاهُم اللهُ - تَعالَى - الأبْرَارَ ؛ لأنَّهُمْ بَرُّوا الآبَاءَ والأبناءَ ، كما أنَّ لِوالديكَ عَلَيْكَ حقًّا ، كذَلكَ لَوَلدكَ عَليْكَ حقًّاً »{[58830]} .
وقال الحسن : البر الذي لا يؤذي الذَّرَّ{[58831]} .
وقال قتادة : الأبرار الذين يؤدّون حق الله ، ويوفون بالنذر ، وفي الحديث : «الأبْرَارُ الَّذينَ لا يُؤذُوَن أحَداً »{[58832]} .
{ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } . أي : من إناء فيه الشراب .
قال ابن عباس : يريد الخمر{[58833]} .
والكأس في اللغة : الإناء فيه الشراب ، وإذا لم يكن فيه الشراب لم يسمَّ كأساً .
قوله تعالى : { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } المزاج : ما يمزج به أي : يخلط ، يقال : مزجه يمزجه مزجاً أي : خلطه يخلطه خلطاً .
5030- كَأنَّ سَبيَئةً من بَيْتِ رَأسٍ*** يَكونُ مَزَاجهَا عَسلٌ ومَاءُ{[58834]}
فالمزاج كالقِوام اسم لما يقاوم به الشيء ، ومنه مزاج البدن : وهو ما يمازجه من الصفراء والسوداء والحرارة والبرودة .
و«الكافور » : طيب معروف ، وكأن اشتقاقه من الكفر ، وهو الستر لأنه يغطي الأشياء برائحته ، والكافور أيضاً : كمائم الشجر الذي يغطّي ثمرتها .
قال بعضهم الكافُور : «فاعول » من الكفر كالنّاقور من النَّقر ، والغامُوس من الغمس ، تقول : غامسته في الماء أي : غمسته ، والكفر : القرية والجبل العظيم ؛ قال : [ الطويل ]
5031- . . . *** تُطَلَّعُ ريَّاهُ من الكفَرَاتِ{[58835]} ***
والكافور : البحر ، والكَافِر : الليل ، والكَافِر : الساتر لنعم الله تعالى ، والكَافِر : الزارع لتوريته الحب في الأرض ؛ قال الشاعر : [ السريع ]
5032- وكَافرٍ مَاتَ على كُُفْرِهِ *** وجَنَّةُ الفِرْدَوسِ للكَافِرِ{[58836]}
والكفَّارة : تغطية الإثم في اليمين الفاجرة والنذور الكاذبة بالمغفرة ، والكافور : ماء جوف شجر مكنون ، فيغرزونه بالحديد ، فيخرج إلى ظاهر الشجر ، فيضربه الهواء فيجمد وينعقد كالصمغ الجامد على الأشجار .
ويقال : كفر الرجل يكفر إذا وضع يده على صدره .
قال ابن الخطيب{[58837]} : مزج الكافور بالمشروب لا يكون لذيذاً ، فما السبب في ذكره ؟ .
أحدها : قال ابن عباس : اسم عين ماء في الجنة يقال له : عين الكافور أي : يمازجه ماء هذا العين التي تسمى كافوراً في بياض الكافور ورائحته وبرده ولكن لا يكون فيه طعمه ولا مضرته{[58838]} .
وثانيها : أن رائحة الكافور عرض ، والعرض لا يكون إلا في جسم ، فخلق الله تلك الرائحة في جرم ذلك التراب فسمي ذلك الجسم كافوراً وإن كان طعمه طيباً فيكون ريحها لا طعمها .
وثالثها : أن الله تبارك وتعالى يخلق الكافور في الجنة مع طعم لذيذ ويسلب عنه ما فيه من المضرّة ، ثم إنه - تعالى - يمزجه بذلك الشراب كما أنه تعالى يسلب عن جميع المأكولات والمشروبات ما معها من المضرات في الدنيا .
قال سعيد عن قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك{[58839]} .
وقيل : أراد بالكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده ، لأن الكافور لا يشرب ، كقوله تعالى : { حتى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } [ الكهف : 96 ] ، أي : كَنَارٍ .
وقيل : كان في علم الله تعالى ، و«كان » زائدة ، أي : من كأس مزاجها .
قال القرطبي{[58840]} : ويقال : «كافور وقافور » وهي قراءة عبد الله{[58841]} بالقاف بدل الكاف ، وهذا من التعاقب بين الحرفين كقولهم : «عربي فجّ وكجّ » .
ومفعول «يشربون » إما محذوف ، أي : يشربون ماء أو خمراً من كأس ، وإما مذكور وهو «عيناً » ، وإما «من كأس » و «من » مزيدة فيه ، وهذا يتمشّى عند الكوفيين والأخفش .
وقال الزمخشري : «فإن قلت : لم وصل فعل الشرب بحرف الابتداء أولاً ، وبحرف الإلصاق آخراً ؟ قلت : لأن الكأس مبدأ شربهم ، وأول غايته ، وأما العين فبها يمزجون شرابهم ، فكأن المعنى : يشرب عباد الله بها الخمر كما تقول : شربت الماء بالعسل » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.