الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

{ وجعلنا ابن مريم وأمه آية } أي : حجة لنا ودلالة على قدرتنا على/ إنشاء الأجسام من غير أصل ، كما أنشأنا خلق عيسى من غير أب . وقال آية : ولم يقل آيتين ، لأن الآية فيهما واحدة .

وقيل في الكلام حذف ، مثل والله ورسوله أحق أن يرضوه . تقديره : وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية ، ثم حذف إحدى الآيتين لدلالة الباقية{[47441]} عليها . فالآية في مريم ، ولادتها من غير ذكر ، والآية في عيسى ، إحياؤه الموتى ، وإبراؤه الأكمه والأبرص وإخراجه من الطين طيرا يطير{[47442]} . وكل بإذن الله جل ذكره .

ثم قال : { وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين } أي وضممناهما إلى ربوة ، أي إلى مكان مرتفع عما{[47443]} حوله .

قال أبو هريرة{[47444]} هي الرملة من فلسطين . وروي{[47445]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هي الرملة " .

وقال ابن المسيب{[47446]} هي دمشق ، وقاله{[47447]} ابن عباس{[47448]} وقال قتادة{[47449]} هي بيت المقدس .

وكان كعب{[47450]} يقول بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا .

وقال وهب بن منبه{[47451]} هي مصر وكذلك قال ابن زيد عن أبيه زيد . قال ابن زيد{[47452]} : الربوة من ربا مصر . وليس الربا إلا بمصر والماء يرسل فتكون الربا عليها القرى ولولا الربا لغرقت تلك القرى .

قال ابن جبير{[47453]} الربوة : النشز من الأرض .

وقال الضحاك : ما ارتفع من الأرض .

وقال ابن عباس{[47454]} : الربوة المستوى ، وكذلك قال مجاهد . وقوله : { ذات قرار ومعين }[ 51 ] أي : ذات أرض منبسطة وساحة واسعة وذات ماء طاهر لعين{[47455]} الناظر .

قال ابن عباس{[47456]} : ( ومعين ) هو الماء الجاري ، وهو النهر الذي قال الله : { قد جعل ربك تحتك سريا } .

وقال الضحاك{[47457]} ( ومعين ) الماء الظاهر .

وقال قتادة{[47458]} ذات قرار أي ثمار{[47459]} ( ومعين ) وماء{[47460]} وهي بيت المقدس .

وقوله : ( ومعين ) هي فعيل بمعنى مفعول على قول من جعله لما يرى بالعين فالميم زائدة .

وقيل{[47461]} : هو فعيل بمعنى مفعول والميم أصلية .

قال علي بن سليمان{[47462]} : يقال معن الماء إذا جرى وكثر ، فهو معين وممعون .

وحكى ابن الأعرابي{[47463]} : معن الماء يمعن إذا جرى وسهل وأمعن أيضا .

وقيل{[47464]} يجوز أن يكون فعيلا من المعنى مشتقا من الماعون والمعن في اللغة : الشيء القليل ، والماعون ، فاعول وهو الزكاة ، مشتق أيضا من المعن ، سميت الزكاة ماعونا ، لأنها شيء قليل من المال ، إذ هي ربع عشرة في العين .


[47441]:ز: الثانية.
[47442]:ز: الطير.
[47443]:ز: على ما حوله.
[47444]:جامع البيان 18/26 وتفسير القرطبي 12/126 وزاد المسير 5/476.
[47445]:قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/72: (عن مرة الزهري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرملة، الربوة"، رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفهم).
[47446]:هو سعي، بن المسيب بن حزن بن أبي وهب، بعض الروايات تقول بأنه أدرك عمر، وبعضها الآخر ينفى ذلك، (ت: 91 هـ) له ترجمة في: طبقات ابن سعد 5/119 وسير أعلام النبلاء 4/222.
[47447]:ز: وكذلك قال.
[47448]:انظر: جامع البيان 18/26-27، والقرطبي 12/126، وزاد المسير 5/476.
[47449]:انظر: المصدر السابق.
[47450]:انظر: جامع البيان 18/27، والقرطبي 12/126.
[47451]:انظر: زاد المسير 5/476، والدر المنثور 5/9.
[47452]:انظر: زاد المسير 5/476، والقرطبي 12/126، والدر المنثور 5/9.
[47453]:انظر: القرطبي 12/126.
[47454]:انظر: جامع البيان 18/27، والدر المنثور 5/9.
[47455]:ز: لغير (تحريف).
[47456]:انظر: جامع البيان 18/27، والدر المنثور 5/9.
[47457]:انظر: جامع البيان 18/27.
[47458]:انظر: جامع البيان 18/27.
[47459]:ز: نهار (تحريف).
[47460]:وهي سقطت من ز.
[47461]:انظر: القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 297.
[47462]:انظر: تفسير القرطبي 12/127.
[47463]:انظر: تهذيب اللغة 3/16، وابن الإعرابي هو الحافظ الزاهد، شيخ الحرم أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري. (ت: 340 هـ) ترجمته في طبقات الحفاظ: 325 وشذرات الذهب 2/354.
[47464]:انظر: معاني الزجاج 4/15.