ثم قال تعالى ذكره : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } .
قال ابن عباس : قال بعض أهل مكة : يزعم محمد أنه من عبد الأوثان ، ودعا مع الله إلها آخر ، وقتل النفس لم يغفر له ، فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا الآلهة وقتلنا النفس ونحن أهل شرك ، فأنزل الله عز وجل { قل يا عبادي الذين أسرفوا{[59060]} } الآية{[59061]} .
وقيل : إنها نزلت في نفر من المشركين خلا الإيمان في قلوبهم فقالوا في أنفسهم : ما نظن أن الله عز وجل يقبل توبتنا وإيماننا وقد صنعنا بمحمد صلى الله عليه وسلم كل شر : أخرجناه ، وقتلنا أصحابه ، وقاتلناه . فأباح الله تعالى لهم التوبة ونهاهم أن يقنطوا من رحمته{[59062]} .
/ قال مجاهد : الذين أسرفوا على أنفسهم هو قتل النفس في الجاهلية{[59063]} . وقال عطاء بن يسار{[59064]} : نزلت هذه الثلاث{[59065]} الآيات في وحشي وأصحابه{[59066]} ، وروى ذلك عن ابن عباس{[59067]} ، قال : فكان النبي لا يطيق أن ينظر إليه لأنه قتل حمزة فظن وحشي أن الله عز وجل لم يقبل إسلامه فنزلت هذه الآيات{[59068]} .
وقيل : نزلت في قوم أسلموا بمكة وخلفوا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فأقاموا بمكة يفتنهم المشركون عن دينهم فافتتنوا ، فكان بعضهم يقول : إن رجعت إلى الإسلام لم يقبلني محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقبل الله توبتي فأنزل الله عز وجل هذه الآيات فيهم{[59069]} .
فمعنى أسرفوا على أنفسهم على هذا القول ، أي : أسرفوا على أنفسهم بإقامتهم مع الكفار بمكة ، وظنهم أن الله عز وجل لا يقبل توبتهم ورجوعهم عن دينهم .
وقال قتادة : ذكر لنا أن قوما أصابوا ذنوبا عظاما في الجاهلية فلما جاء الإٍسلام أشفقوا إن لم يتب{[59070]} عليهم ، فدعاهم الله بهذه الآية{[59071]} .
قال السدي : هي في المشركين ، كقول ابن عباس : وهو قول ابن زيد{[59072]} .
وكان ابن مسعود يقول{[59073]} : إن أكثر آية فرجا{[59074]} في القرآن : { يا عبادي الذين أسرفوا } الآية{[59075]} .
وروي عن عمر رضي الله عنه أنها نزلت في أهل الإسلام . قال : كنا نقول : لمن افتن من توبة . وكانوا يقولون : ما الله بقابل منا شيئا ، تركنا الإسلام ببلاء أصابنا بعد معرفته . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل{[59076]} فيهم : { يا عبادي الذين أسرفوا } الثلاث الآيات .
قال عمر : فكتبتها بيدي وبعثتها إلى هشام بن العاصي{[59077]} . قال هشام : فجعلت أقرؤها ولا أفهمها فوقع في نفسي أنها نزلت فينا لِما كُنّا نقول ، قال : فجلست على بعيري ثم لحقت بالمدينة{[59078]} .
وروي عن ابن عمر : أن هذه الآيات نزلن في عياش بن أبي ربيعة{[59079]} ، والوليد ابن الوليد{[59080]} ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ، ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا ، فكنا نقول : لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا{[59081]} ، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به ! فنزلت هذه الآيات{[59082]} .
وقال ابن عمر : هذه أرجى آية في القرآن . فرد عليه ابن عباس وقال : بل أرجى آية في القرآن . { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم }{[59083]} .
وروى شهر{[59084]} عن أسماء{[59085]} أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في هذه الآية : " إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي ، إنه هو الغفور الرحيم " {[59086]} .
وقال القرظي{[59087]} هي للناس أجمع{[59088]} .
وقيل : المعنى : يغفر الذنوب جميعا لمن تاب{[59089]} .
( وهذا لجماع{[59090]} ) من تاب من كفره أو من ذنوبه فالله يغفر له ما تقدم من ذنوبه كلها{[59091]} .
وقيل : هذه الآية منسوخة بقوله : { ومن يقتل مومنا متعمدا }{[59092]} الآية ، وبقوله { إن الله لا يغفر أن يشرك به }{[59093]} .
والصواب أن الآية خبر لا يجوز نسخه فهي محكمة{[59094]} على ما بينا من المعنى الذي ذكرنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.