الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ} (56)

ثم قال تعالى : { أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله } ( أن ) مفعول من أجله . والأًصل في ( حسرتا ) : يا حسرتي ، ثم أبدل من الياء ألف{[59118]} .

والفائدة في نداء الحسرة حرف النداء يدل على تمكن القصة من صاحبها وملازمتها له . فذلك أبلغ في الخبر{[59119]} .

وأجاز الفراء في الوصل : ( يا حسرتاه ) بضم الهاء وكسرها{[59120]} .

ولا يجيز النحويون إثبات الهاء في الوصل وقد جاء ذلك في الشعر{[59121]} .

والمعنى : اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن تصيروا إلى حال الندامة غدا .

ومعنى { على ما فرطت في جنب الله } أي : على ما ضيّعته من العمل بما أمرني{[59122]} الله به ، وقصرت فيه في الدنيا .

قال مجاهد والسدي : ( في جنب الله ) ، أي : في أمر الله{[59123]} .

وقال الضحاك : ( في ذكر الله ، قال : يعني القرآن والعمل به ){[59124]} .

وقال أهل اللغة : المعنى : في جنب الله{[59125]} .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما جلس رجل مجلسا ولا مشى ممشى{[59126]} ولا جلس اضطجع مضطجعا{[59127]} لم يذكر الله فيه إلا كانت عليه ترة يوم القيامة " ، أي : حسرة{[59128]} .

وقال إبراهيم التيمي : {[59129]} من الحسرات يوم القيامة أن يرى الرجل ماله الذي آتاه الله عز وجل يوم القيامة في ميزان غيره قد ورثه وعمل فيه بالحق كان له أجره وعلى الآخر وِزْرُه{[59130]} . ومن الحسرات أن يرى الرجل عبده الذي خوله الله في الدنيا ( أقرب منه ){[59131]} منزلة من الله جل ذكره ، أو يرى رجلا يعرفه في الدنيا أعمى قد أبصر يوم القيامة وعمي هو{[59132]} .

وأصل الحسرة الندامة التي تلحق الإنسان حتى يصير معها حسيرا ، أي : معيبا .

وروى مجاهد عن عبد الله بن عمر أنه قال : ما تفرق قوم قط من مجلسهم ، ولم يذكروا{[59133]} الله فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة .

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال{[59134]} : " ما جلس رجل ولا قوم مجلسا ، ولا مشى رجل ممشى{[59135]} ، ولا اضطجع مضطجعا{[59136]} لا يذكر الله فيه ، إلا كانت عليه يوم القيامة حسرة " {[59137]} .

وقوله : { وإن كنت لمن الساخرين } أي : وما كنت إلا من{[59138]} الساخرين ، أي : كنت من المستهزئين بأمر الله سبحانه وكتابه .

قال قتادة : ( لم يكفه ){[59139]} أن ضيع طاعة الله عز وجل حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله سبحانه .


[59118]:انظر: مشكل إعراب القرآن 2/632، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/325، وإعراب النحاس 4/17، والجمل في النحو 84.
[59119]:(ح): الحسر.
[59120]:انظر: معاني الفراء 2/422، ومعاني الزجاج 4/358، وإعراب النحاس 4/17.
[59121]:ذكر الفراء أن بعض بني أسد أنشد: يا رب يا رباه إياك أسل عفراء يا رباه من قبل الأجل. انظر: معاني الفراء 2/422.
[59122]:(ح): أمر.
[59123]:انظر: تفسير مجاهد 2/559، وجامع البيان 24/13، والمحرر الوجيز 14/97. ولم ينسب القول إلى السدي في تفسير مجاهد.
[59124]:انظر: إعراب النحاس 4/17، وجامع القرطبي 15/271.
[59125]:يظهر أن هناك سقطا، بإثباته يتم المعنى. وقد روجع بعض أهل اللغة ممن اعتمدهم مكي في تفسيره لتدارك هذا السقط فتباينت ألفاظهم، من ذلك مثلا: قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 2/190: (في جنب الله، وفي ذات الله واحد). وقول الزجاج في معانيه 4/359: (في أمر الله).
[59126]:(ح): مشيا.
[59127]:(ح): اضجع مضجعا.
[59128]:أخرجه أحمد في مسنده 2/432، و446، و453، و481، و495، 527، والبيهقي 3/210. وقال الحاكم في مستدركه 1/550: (صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه)، وقال الذهبي في التلخيص على شرط مسلم. وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (وفي كل ذلك نظر) واستدل بما ورد في المجمع 10/80: (وأبو إسحاق مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل لم يوثقه أحد ولم يجرحه أحد). وإسحاق هذا، من رواة هذا الحديث.
[59129]:هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، يكنى: أبا أسماء، الكوفي العابد، ثقة، إلا أنه يرسل ويدلس. قتله الحجاج سنة 192 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 1/73 ت 69 والتقريب 1/45 ت 300.
[59130]:(ح): وررة.
[59131]:(ح): قرب عنه.
[59132]:انظر: إعراب النحاس 4/18، وجامع القرطبي 15/271.
[59133]:(ح): يذكر.
[59134]:(ح): أنه قال.
[59135]:(ح): مشيا.
[59136]:(ح): اضجع مضجعا.
[59137]:مر تخريجه في الصفحة 6364، وهو مكرر.
[59138]:(ح): مع.
[59139]:(ح): لم يكف.