تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَزَكَرِيَّآ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ رَبِّ لَا تَذَرۡنِي فَرۡدٗا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡوَٰرِثِينَ} (89)

الآية 89 : وقوله تعالى : { وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا } قوله : { لا تذرني فردا } في الظاهر نهي ، وكذلك قوله : { ربنا لا تزغ قلوبنا } [ آل عمران : 8 ] وأمثاله تخرج في الظاهر مخرج النهي ، وقوله : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } [ آل عمران : 194 ] ونحوه يخرج مخرج الأمر والنهي . إذا كان من العبد للسيد فهو تعوذ ودعاء ، وإذا كان من السيد للعبد فهو أمر ونهي ، ليس بتعوذ ولا دعاء ، ولكن حقيقة الأمر والنهي . كذلك سؤال الأمير لرعيته أمر ونهي ، وسؤال الرعية للأمير تضرع وتعوذ ودعاء .

ثم قوله تعالى : { رب لا تذرني فردا } في الطاعة والعبادة والذكر والتسبيح والتحميد ما دمت حيا ، ولكن أشرك لي في العبادة والذكر من يعينني على ذلك ، وهو كقول موسى : { واجعل لي وزيرا من أهلي } { هارون أخي } { اشدد به أزري } { وأشركه في أمري } { كي نسبحك كثيرا } { ونذكرك كثيرا } [ طه : 29-34 ] [ وقول زكريا أيضا ] {[12787]} : { فهب لي من لدنك وليا }{ يرثني ويرث من آل يعقوب }[ مريم : 5 و6 ] إذا متنا ، أو يكون قوله : { لا تذرني فردا } بعد مماتي في قبري ، ولكن هب لي من يذكرني ، ويدعو لي بعد وفاتي ، ويحيي أمري .

وقوله تعالى : { وأنت خير الوارثين } أي وأنت خير من يرث العباد . على هذا التأويل . وعلى التأويل الأول : أنت خير من يعين على العبادة والطاعة ، والله أعلم .


[12787]:في الأصل و م: قوله.