الآية 87 : وقوله تعالى : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا } قال بعضهم : { وذا النون } هو اسم من أسمائه ، سمي به . وقال بعضهم : سماه ذا النون لكونه في بطن النون ، وهو الحرث ، أي صاحب النون ، سمي باسمين مختلفين : أحدهما : اسم موضوع ، والآخر : مشتق من فعله ومما كان به ، وهو كما{[12757]} سمى عيسى مرة ، وسماه مسيحا أخرى : أحدهما : اسم موضوع ، والآخر : مشتق من فعله ، وهو مما كان يمسح به المرضى والموتى ، فيبرؤون . وكذلك { وذا الكفل } [ الأنبياء : 85 ] يخرج على هذين الاسمين : أحدهما : موضوع له ، والآخر مشتق من فعله على ما ذكرنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إذ ذهب مغاضبا } اختلف فيه : قال بعضهم : مغاضبا لربه أي حزينا له ، لأنه كان أراد أن يهلك الله قومه لما أيس من إيمان قومه ، وقد كثر عنادهم ومكابرتهم ، فخرج حزينا لذلك .
وقال بعضهم : مغاضبا للملك ؛ وذلك أن قومه قد [ أسرهم عدوهم ، وقد كان الله أوحى إليهم ، فقال : إذا ] {[12758]} أسركم عدوكم ، أو أصابتكم مصيبة ، فادعوني . فإذا دعوتموني استجبت لكم . فلما أسروا نسوا أن يدعوه زمانا . حتى إذا ذهبت أيام عقوبتهم ، ونزلت أيام عافيتهم ، أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن ابعثوا رجلا قويا أمينا فإني ملق في قلوب الذين أسروا قومكم{[12759]} أن يرسلوهم ، وفي القصة طول غير أنا نختصر ، فبعث ملكهم يونس إلى أولئك الأسارى ليستنقذهم من أيديهم ، فخرج ، وأتمر{[12760]} بأمره ، لكنه غضب عليه لما اشتد{[12761]} عليه . فذلك قوله : { إذ ذهب مغاضبا } للملك حين{[12762]} أمره بالخروج إلى أولئك الأسرى .
وقال بعضهم : { إذ ذهب مغاضبا } لقومه ، وذلك يخرج على وجوه :
أحدها : خرج من عندهم لما أيس من إيمان قومه ؛ خرج مكيدة لقومه لأنه السنة فيهم أنه إذا خرج [ رسول الله ] {[12763]} من بين أظهرهم نزل بهم العذاب ؛ خرج{[12764]} من عندهم ليخافوا العذاب ، فيؤمنوا .
والثاني : خرج إشفاقا على نفسه لئلا يقتل لما أن قومه هموا بقتله ؛ خرج{[12765]} لئلا يقتل إشفاقا على نفسه كما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم [ من بين أظهر قومه لما هموا بقتله . لكن رسول الله ] {[12766]} خرج بإذن ، ويونس بغير إذن .
والثالث : خرج من عندهم لما أكثروا العناد والمكابرة ، وأيس من إيمانهم ، خرج [ ليفرغ نفسه لعبادة ربه ] {[12767]} [ إذ كان مأمورا بعبادة ربه ] {[12768]} ودعا قومه إلى ذلك . فلما أيس من إيمانهم خرج كما{[12769]} ذكرنا بغير إذن من ربه ، وإن كان في خروجه منفعة له ولقومه ، فعوقب{[12770]} لذلك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فظن أن لن نقدر عليه } [ قال بعضهم : { أن لن نقدر عليه } ]{[12771]} أي لن نضيق عليه ، ولا نبتليه بالضيق والشدائد{[12772]} لما خرج من عندهم . يقال : فلان مقدور{[12773]} عليه ، ومقتر ، أي مضيق عليه الأمر ، وهو كقوله : { يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } [ الشورى : 12 ] أي يضيق وقوله : { فقدر عليه رزقه } [ الفجر : 16 ] .
وقوله تعالى : { فنادى في الظلمات } قالوا : في ظلمات ثلاث : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت . وقال بعضهم : التقم الحوت حوت آخر ، فكان في بطن حوت وحوت آخر وظلمة البحر ، فقال : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } وحد ربه ، ونزهه عن جميع ما قيل فيه ، ثم اعترف بزلته وذنبه ، فقال : { إني كنت من الظالمين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.