تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

الآية 83 : وقوله تعالى : { وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر } كقوله{[12746]} في آية أخرى : { واذكر عبدنا أيوب إذا نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } [ ص : 41 ] ذكر في سليمان أنه سلطه على الشيطان ، وجعلهم مسخرين له ، يستعملهم في كل أمر وعمل شاء . وذكر في أيوب على إثر قصة سليمان أنه سلط الشياطين عليه ، وصار هو كالمسخر لهم حين{[12747]} قال : { إني مسني الشيطان بنصب وعذاب } حتى [ يعلم ] {[12748]} أن تسخير الشياطين لسليمان ، كان له إفضال وإنعام ، لم يكن سبق منه ما يستوجب به ذلك ، ويستحقه ، ولا كان من أيوب إليه من العصيان ما يستحق ذلك . وما أصابه من البلاء منه عدل . وكان ما يعطي من السلامة والصحة رحمة ونعمة . وله أن يعطي من شاء ما شاء ، ويحرم من شاء ما شاء .

ألا ترى أنه قال في آخره لما رد عليه ما أخذ منه ، وكشف عنه البلاء { رحمة } ؟ [ الأنبياء : 84 ] ولو كان ذلك حقا على الله لم يكن لذكر الرحمة معنى .

فهذا يرد على المعتزلة مذهبهم أن على الله الأصلح لهم في دينهم لأن ما أصاب أيوب من البلايا أضاف ذلك إلى الشياطين حين{[12749]} قال : { أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } [ ص : 41 ] ولو كان ذلك أصلح في دينه لكان لا يضيف فعل الأصلح له في الدين إلى الشياطين . فدل أنه ليس على ما يذهبون إليه .

ثم قوله تعالى : { وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر } يشبه أن يكون فيه إضمار دعاء ؛ كأنه قال : { إني مسني الضر } فارحمني ، وعافني { وأنت أرحم الراحمين } ألا ترى أنه قال : { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } ؟ [ الأنبياء : 84 ] دل أنه على الدعاء خرج [ كقوله : { إني مسني الشيطان } [ ص : 41 ] ] {[12750]} وصرت بحال يرحمني من رآني من الخلق { وأنت أرحم الراحمين } والله أعلم .


[12746]:في الأصل و م: وقال.
[12747]:في الأصل و م: حيث.
[12748]:من م، ساقطة من الأصل.
[12749]:في الأصل و م: حيث.
[12750]:في الأصل و م: والثاني في قوله: {إني مسني الضر}.