تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَكَمۡ أَرۡسَلۡنَا مِن نَّبِيّٖ فِي ٱلۡأَوَّلِينَ} (6)

الآيات 6 و7 وقوله تعالى : { وكم أرسلنا من نبيٍّ في الأولين } { وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون } فيه دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصبر بما يعامله قومه حين{[18863]} ذكر له أن ما أرسل من الرسل الذين كانوا قبله عاملهم قومهم من الاستهزاء بهم والأذى لهم مثل معاملة قومك إياك ، فصبروا على ذلك ، فاصبر أنت على أذى قومك إياك وسوء معاملتهم ، والله أعلم .

وفيه أنه يرسل الرسول ، وإن علم منهم أنهم يكذّبونه ، وكذا يُنزل الكتاب ، وإن علم منهم أنهم يردّونه ، ولا يقبلونه ، لأنه ليس يُرسل الرسل ، ولا يُنزل الكتب لمنفعة نفسه ولا لدفع المضرّة عن نفسه ، ولكن إنما يُرسل ، ويُنزل لمنفعتهم ولدفع المضرة عن أنفسهم ، فسواء عليه إن قبلوه ، أو ردّوه ، وليس كملوك الأرض إذا أرسلوا رسولا أو كتابا إلى ما يعلمون أنهم يكذّبون رسُلهم ، ويردّون كتبهم{[18864]} ، يكونون سفهاء لأنهم إنما يُرسِلون لحاجة أنفسهم ولدفع المضرة . فحين{[18865]} لم يحصل غرضهم ، بل لحقهم{[18866]} بذلك ضرر وزيادة ضد له واستخفاف لم يكن ذلك حكمة ، بل كان{[18867]} سفَها .

فأما الله عز وجل إذا لم يرسل ، ويُنزل لجرّ النفع ودفع الضرر ، بل لإلزام الحجّة وإزالة العُذر ونحو ذلك ، [ فذلك حكمة أيضا ]{[18868]} ، والله أعلم .


[18863]:في الأصل وم: حيث.
[18864]:في الأصل وم: كتابهم.
[18865]:في الأصل وم: فحيث.
[18866]:في الأصل وم: يلحقهم.
[18867]:في الأصل وم: يكون.
[18868]:في الأصل وم: كان حكمة.