تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَأَهۡلَكۡنَآ أَشَدَّ مِنۡهُم بَطۡشٗا وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (8)

الآية 8 وقوله تعالى : { فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين } فيه تحذير أولئك الكفرة أن يُنزل بهم بتكذيبهم الرسول وسوء معاملتهم إياه كما أنزل{[18869]} بأولئك المتقدّمين بتكذيب الرسل وسوء معاملتهم إياه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فأهلكنا أشد منهم بطشا } يحتمل وجهين :

أحدهما : أي أهلكنا من كان أشد قوة وبطشا من هؤلاء ، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع [ مع شدة ]{[18870]} قوتهم وبطشهم عما نزل بهم من العذاب . فعلى ذلك لو نزل بهؤلاء لم يتهيأ لهم الامتناع مع ضعفهم .

والثاني أن يكون قوله : { أشد منهم بطشا } وصف ذلك العذاب الذي نزل بهم أي ذلك العذاب { أشد منهم بطشا } وهو كقوله : { إن عذابي لشديد } [ إبراهيم : 7 ] والله أعلم .

وقوله تعالى : { ومضى مثل الأولين } هذا يُخرّج على وجهين :

أحدهما : { ومضى مثل الأولين } أي صار عذاب الأولين عبرة وعظة ومثلا للمتأخّرين كقوله : { فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين } [ البقرة : 66 ] .

والثاني : { ومضى مثل الأولين } أي مضى عذاب الأولين ، وهو عذاب الاستئصال ، فلا يعذّب هذه الأمة بمثل عذابهم لفضيلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وبركته ورحمته ، وهو لما قال الله عز وجل : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء : 107 ] بفضله ورحمته أبقى هذه الأمة إلى يوم القيامة والله أعلم .


[18869]:في الأصل وم: ينزل.
[18870]:في الأصل وم: لشدة.