الآية 5 وقوله تعالى : { أفنضرب عنكم الذّكر صَفْحاً أن كنتم قوما مسرفين } اختُلف في الذّكر ؛ قال بعضهم : القرآن . وقال بعضهم : الرسول . وقال بعضهم : العذاب والعقوبة .
واختُلف في قوله : { أفنضرب عنكم الذّكر صفحا } قال بعضهم : أفنترك ، ونذر الذّكر سُدًى { أن كنتم قوما مسرفين } أي ألأنكم{[18845]} كذا ولأجل أنكم كذا ؟ وقال بعضهم : أفنترك الوحي ، لا نأمركم بشيء ، ولا ننهاكم عن شيء ، ولا نُرسل إليكم رسولا ؟ وقال بعضهم : { أفنضرب } أي أفنذهب عنكم بهذا القرآن سُدى لا تُسألون ، ولا تعاقبون على تكذيبكم إياه ؟ وقال بعضهم : { أفنضرب عنكم } أي أفنُمسك عنكم فلا نذكركم { صفحا } أي إعراضا ، وهو قول القتبيّ ؛ يقول : صفحت عن فلان ، أي أعرضت عنه . وأصل ذلك أنك توليه صحفتك ، يقال : ضربت ، وأضربت عن فلان ، أي [ أمسكت عنه ]{[18846]} .
وقال أبو عوسجة : { أفنضرب } أي نسكت ، ضربت ، وأضربت ، أي سكتُّ ، وقوله : { صفحا } أي ردّا ، يقال : سألني فلان حاجة ، فصفحته صفحا ، أي رددته ، والله أعلم . وبعضه قريب من بعض .
ثم الأصل عندنا أن الذكر يحتمل ما قالوا فيه من المعاني الثلاثة : القرآن والرسول والعذاب . لكن لا يحتمل قوله : { أفنضرب عنكم الذّكر صفحا } أي يُخرّج على الابتداء على غير تقدّم النوازل لأنه لا يُبتدأ بمثله .
ثم النوازل تحتمل إن كان منهم قول يقولون : يا محمد لو كان ما تقوله أنت : إنه من عند الله ، وإنك رسوله ، فكيف أنزل الكتاب ، أو أرسل الرسول على علم منه أنّا نكذّبه{[18847]} ، ونردّه ، ولا نقبله ؟ وما{[18848]} عُلم من الملوك في الشاهد [ أن تُكذّب الرسل ]{[18849]} ، ولا تُقبل ، ولا{[18850]} تُبعث ، فكيف بعثك رسولا إلينا ؟ وإن أنزله عليك ، أو بعثك رسولا ، فكذّبناه ، وكذّبناك ، ورددناه ، ورددناك ، فلا يرفعه ، ويرفعك دون تركه فينا ؟
فيقول الله ، تبارك ، وتعالى ، جوابا لهم وردّا لقولهم : { أفنضرب عنكم الذّكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين } يقول : إنا لا نترككم سُدًى ، وإن علمنا منكم التكذيب والرّدّ للرسول والوحي ، ولا يمنعنا ذلك عن إنزاله إليكم وتركه فيكم ، ولا يحملنا ذلك على رفعه من بينكم ، بل نأمركم ، وننهاكم ، وإن كنتم تكذّبونه ، ولا تقبلونه .
وهذا لما ذكرنا أن حرف الاستفهام من الله تعالى يخرّج على الإيجاب والتحقيق . وقوله تعالى : { أفنضرب } أي لا نترك إنزاله وإرساله ، وإن علمنا منكم التكذيب . وهو قوله تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } [ المؤمنون : 115 ] وقوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن يُترك سُدى } [ القيامة : 36 ] أي لا يُترك سدى ، ولا تحسبوا{[18851]} أنا إنما خلقناكم عبثا .
فعلى ذلك قوله : { أفنضرب عنكم الذّكر صفحا } فإن كان الذّكر هو القرآن ، أو الرسول ، فالتأويل أنه وإن علم منكم الرّدّ والتكذيب فلا يمنعه ذلك عن /495-أ/ إنزاله عليكم وبعثه رسولا إليكم [ وإن أنكرتموه ، وكذّبتموه ]{[18852]} ورددتموه ، فلا يحملنا{[18853]} ذلك على رفعه من بينكم بشرككم وكفركم ، وهو كما ذكر في قوله : { وكم أرسلنا من نبيّ في الأولين } { وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون } [ الزخرف : 6 و7 ] أي إنا ، وإن علمنا من أوائلكم تكذيب{[18854]} الرسل والكتاب ، فلا{[18855]} يمنعنا ذلك عن إنزاله [ عليكم وبعثه إليكم ]{[18856]} .
فعلى ذلك أنتم ، وإن علمنا منكم تكذيب الرسول وكتابه فلا يمنعنا ذلك عن إرساله وإنزاله لنُلزمكم الحجة .
أو لعل فيكم من يصدّقه ، ويؤمن به ، أو غيركم يؤمن به ، ويُصدّقه ، وإن كذّبتم أنتم .
هذا إن كان تأويل الذّكر رسولا أو كتابا .
وإن كان تأويل الذّكر العذاب فيصير كأنه يقول : أفنتُرك تعذيبكم ، أو نمسك عنه ، ولا نعاقبكم ، وأنتم قوم مسرفون أي مشركون على ما ذكر على إثره حين{[18857]} قال : { فأهلكنا أشد منهم بطشا } أي قوة ؟ معناه عذّبناهم بالتكذيب مع شدة بطشهم وقوتهم ، وأنتم دونهم لا تعذَّبون ؟ بل تعذَّبون ، والله أعلم .
وعن قتادة [ أنه ]{[18858]} يقول : لو أن هذا القرآن رُفع حين ردّه أوائل هذه الأمة ، فهَلكوا ، لردّه الله بفضله ورحمته ، وكرّره{[18859]} عليهم ، ودعاهم إليه كذا كذا سنة وما شاء الله تعالى .
وعن الحسن [ أنه ]{[18860]} قال : لم يبعث الله تعالى نبيا إلا أنزل عليه كتابا ، فإن قبله قومه ، وإلا رُفع . فذلك قوله : { أفنضرب عنكم الذّكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين } لا تقبلونه ، فتقبله قلوب بقية ، فيقولون{[18861]} . قبِلناه ربنا قبِلناه . لو لم يفعلوا ذلك رُفع ، ولم يُترك على الأرض منه شيء .
ثم القراءة العامة { أن كنتم } منصوبة بالألف بمعنى إذ كنتم ، ويُقرأ أيضا : إن كنتم مكسورة{[18862]} على أنه الشرط ومعناه : لا نترك ، ولا نُمسك عن إنزاله ، وإن كنتم قوما مسرفين مشركين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.