الآية 52 وقوله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } كأنه يقول : هكذا أوحينا إليك{[18827]} بالوجوه والطرق التي ذكرنا كما أوحينا إلى الذين من قبلك .
وقوله تعالى : { روحا من أمرنا } قال بعضهم : { روحا } جبريل بأمرنا . وقال بعضهم : أي أوحينا إليك أمرا من أمرنا .
وقال بعضهم : { روحا من أمرنا } أي الكتاب الذي أنزله [ إليه ، وأوجبه عليه ]{[18828]} سمّاه روحا لأنه يُحيي به الدين ، ويكون به حياة الدين ، وتحيى به الأبدان ، وهو حياة الذكر والشّرف ، وهو كقوله : { ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يُرزقون } [ آل عمران : 169 ] حياة الذّكر والشرف ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } أما الكتاب فإنه لا شك أنه لا يدريه ، ولا يعلمه ، حتى أدراه ، وأعمله ، وأما الإيمان حين{[18829]} أخبر أنه لا يدريه فهو يحتمل وجوها :
أحدها : ما كنت تدري ما الإيمان في حق اللسان ، أو ما كنت تدري ما الإيمان في حق الإيمان ، أو ما كنت تدري ما الإيمان في حق قدره ومحلّه ومنزلته عند الله تعالى .
فإن كان المراد في حق اللسان فهو ظاهر أنه كان{[18830]} لا يدري في حق ابتداء الأمر أن الإيمان ، هو التصديق والتوحيد ، أو ما هو ؟ وهو معروف أنه كان لا يدريه في حق اللسان حتى أدراه ، وأعلمه أنه ماذا ؟
وكذلك جميع أهل اللسان لا علم [ لهم بذلك ]{[18831]} حتى علّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل [ جبريل ]{[18832]} وسأل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإيمان ؟ وما الإسلام ؟ على صورة أعرابي حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا كان جبريل ، نزل ليُعلّمهم معالم دينكم ، والله أعلم .
وإن كان [ المراد ]{[18833]} في حق فعل الإيمان ومباشرة رُكنه فهو إذا كان غير قادر على فعله وإتيانه على حدّه ، وكان لا يدريه ، ولا{[18834]} لا يدري به ، فإنه لا يوصف بالجهل به . ألا ترى أن الصغار لا يدرون ، ويقال : إنهم جهلة ؟ وإنما يوصف بالجهل من مَلَك الفكر{[18835]} والنظر وأسباب العلم ، ثم ترك ذلك . فعند ذلك يوصف بالجهل .
فأما من لم يملك ذلك ، ولم يبلغ ذلك المبلغ ، فإنه لا يوصف بالجهل . ألا ترى أنه يقال للأعراض والأشياء : إنها لا تدري ، ولا توصف بالجهل ؟ فعلى ذلك يجوز أن يوصف ، ويقال : إنه كان لا يدري ، ولا يوصف ، ولا يقال : إنه كان جاهلا به ، والله أعلم .
ألا ترى أن الولد في النظر لا يوصف بأن له سمعا وبصرا ونحوه لأنه ليس بمحل للسماع والبصر [ أو نحوه فإذا ]{[18836]} أُخرج منه عند ذلك يُجعل له من السماع والبصر ؟ وهو ما ذكر بقوله : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار } [ النحل : 78 ] عندما مكّن لهم ذلك .
وإن كان لا يدري في حق المحل والمنزلة والقدر فهو هكذا كان لا يدري ما محل الإيمان وقدره عند الله تعالى حتى أدراه ، وأعلمه محلّه ومنزلته ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولكن جعلناه نورا } فإن كان المراد هو الإيمان فهو نور بالحجج والبرهان ، وهو كما ذكر : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } [ الزمر : 22 ] .
وإن كان المراد هو الكتاب فهو نور لما يرفع جميع حُجُب القلوب وسواترها عمّن{[18837]} اتّبعه ، ونظر إليه بعين التعظيم .
وقوله تعالى : { نهدي به من نشاء من عبادنا } من علِم أنه يختاره [ شاء ]{[18838]} أن يهديه .
ثم قوله : { به } يحتمل القرآن ، ويحتمل الإيمان نفسه ، أي يجعله بالإيمان مهديًّا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } قوله : { لتهدي } يحتمل لتدعو أولئك أو لتدين لهم الصراط المستقيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.