النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (25)

{ تؤتي أكُلَها } يعني ثمرها .

{ كلَّ حين بإذن ربها } والحين عند أهل اللغة : الوقت . قال النابغة :

تناذرها الرّاقون من سُوءِ سُمِّها *** تُطلِّقُه حيناً وحيناً تُراجع{[1644]}

وفي { الحين } ها هنا ستة تأويلات :

أحدها : يعني كل سنة ، قاله مجاهد ، لأنها تحمل كل سنة .

الثاني : كل ثمانية أشهر ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لأنها مدة الحمل ظاهراً وباطناً .

الثالث : كل ستة أشهر ، قاله الحسن وعكرمة ، لأنها مدة الحمل ظاهراً .

الرابع : كل أربعة أشهر ، قاله سعيد بن المسيب لأنها مدة يرونها من طلعها إلى جذاذها .

الخامس : كل شهرين ، لأنها مدة صلاحها إلى جفافها .

السادس : كل غدوة وعشية ، لأنه وقت اجتنائها ، قاله ابن عباس .

وفي قوله تعالى : { في الحياة الدنيا وفي الآخرة } وجهان :

أحدهما : أن المراد بالحياة الدنيا زمان حياته فيها ، وبالآخرة المساءلة في القبر ، قاله طاوس وقتادة .

الثاني : أن المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر أن يأتيه منكر ونكير فيقولان له : من ربك وما دينك ومن نبيك ؟ فيقول : إن اهتَدَى : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم .

{ ويضلُّ اللهُ الظالمين } فيه وجهان :

أحدهما{[1645]} : عن حجتهم في قبورهم ، كما ضلوا في الحياة الدنيا بكفرهم .

الثاني{[1646]} : يمهلهم حتى يزدادوا ضلالاً في الدنيا .

{ ويفعل الله ما يشاء } فيه وجهان :

أحدهما{[1647]} : مِن إمهال وانتقام .

الثاني : من ضغطة القبر ومساءلة منكر ونكير .

وروى ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منه سعد بن معاذ ، ولقد ضم{[1648]} ضَمّةً " [ ثم فرج عنه ] .

وقال قتادة : ذكر لنا أنّ عذاب القبر من ثلاثة : ثلثٌ من البول . وثلثٌ من الغيبة ، وثلثٌ من النميمة . وسبب نزول هذه الآية ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف مساءَلة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت قال عمر : يا رسول الله أيكون معي عقلي : ؟ قال : " نعم " قال . كُفيت إذن ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .


[1644]:بيت النابغة هذا في وصف حية. وتناذرها الراقون: أي أنذر بعضهم بعضا ألا يتعرضوا لها. ومعنى تطلقه حينا وحينا تراجع: إنها تخفى الأوجاع من السليم تارة، وتارة تشتد عليه.
[1645]:سقط من ق.
[1646]:سقط من ق.
[1647]:سقط من ق.
[1648]:رواه النسائي من عبد الله بن عمر. انظر جامع الأصول 11/172.