الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخۡتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰذِبِينَ} (39)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يبعثهم الله؛ {ليبين لهم}، يعني: ليحكم الله بينهم في الآخرة، {الذي يختلفون فيه}، يعني: البعث، {وليعلم الذين كفروا} بالبعث {أنهم كانوا كاذبين} بأن الله لا يبعث الموتى.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: بل لَيبعثنّ الله من يموت وعدا عليه حقّا، ليبين لهؤلاء الذين يزعمون أن الله لا يبعث من يموت ولغيرهم الذي يختلفون فيه من إحياء الله خلقه بعد فنائهم، وليعلم الذين جحدوا صحة ذلك وأنكروا حقيقته أنهم كانوا كاذبين في قيلهم لا يبعث الله من يموت.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" ليبين لهم الذي يختلفون فيه "في دار الدنيا، لأنه يخلق فيهم العلم الضروري يوم القيامة، الذي يزول معه التكليف ويزول خلافهم فيه، ويعلم أيضا كل كافر أنه كان كاذبا في الدنيا في قوله: إن الله لا يبعث أحدا بعد موته، هذا إن جعلنا قوله "ليبين "متعلقا ب (بلى) يبعثهم الله. ويحتمل أن يكون متعلقا بقوله:"ولقد بعثنا في كل أمة رسولا... ليبين الذي يختلفون فيه "ويهديهم إلى طريق الحق ويثيبهم عليه.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إذا بيَّن الله صِدْقَ ما ورد به الشرع في الآخرة بكشف الغيب زاد افتضاحُ أهل التكذيب فيكون في ذلك زيادةٌ لهم في التعذيب.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لِيُبَيّنَ لَهُمُ} متعلق بما دل عليه «بلى» أي يبعثهم ليبين لهم. والضمير لمن يموت، وهو عام للمؤمنين والكافرين، والذين اختلفوا فيه هو الحق {وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ} كذبوا في قولهم: لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء، وفي قولهم: لا يبعث الله من يموت. وقيل: يجوز أن يتعلق بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً} [النحل: 36] أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه، وأنهم كانوا على الضلالة قبله، مفترين على الله الكذب.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد، فقال: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} أي: للناس {الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} أي: من كل شيء، و {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31]، {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} أي: في أيمانهم وأقسامهم: لا يبعث الله من يموت؛ ولهذا يدعون يوم القيامة إلى نار جهنم دعا، وتقول لهم الزبانية: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 14 -16].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما بين أنه لا بد من ذلك لسبق الوعد به من القادر، بين حكمته بأمر مبين أنه لا يسوغ تركه بوجه، وهو أنه لا يجوز في عقل عاقل أن أحداً ملكاً فما دونه يأمر عبيده بشيء ثم يهملهم فلا يسألهم ولا سيما إن اختلفوا ولا سيما إن أدى اختلافهم إلى المقاطعة والمقاتلة فكيف إن كان حاكماً فكيف إذا كان حكيماً فكيف وهو أحكم الحاكمين! فقال معلقاً بما دل عليه {بلى}: {ليبين} أي فعله ووعد به فهو يبعثهم ليبين {لهم} أي للناس {الذي يختلفون} أي يوجد اختلافهم {فيه} من البعث وغيره، ويجزي كلاًّ بما عمل لأن ذلك من العدل الذي هو فعله {وليعلم الذين كفروا} أي جهلوا الآيات الدالة عليه، فكأنهم ستروها لأنها لظهورها لا تجهل {أنهم كانوا} أي جبلة وطبعاً {كاذبين} أي عريقين في الكذب في إنكارهم للمعاد وزعمهم أنهم المختصون بالمفاز علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{لِيُبَيّنَ لَهُمُ} غايةٌ لما دل عليه بلى من البعث، والضمير لمن يموت إذ التبيينُ يعم المؤمنين أيضاً فإنهم وإن كانوا عالمين بذلك لأنه عند معاينةِ حقيقةِ الحال يتضح الأمرُ فيصل علمُهم إلى مرتبة عينِ اليقين، أي يبعثهم ليبينَ لهم بذلك وبما يحصُل لهم من مشاهدة الأحوالِ كما هي ومعاينتِها بصورها الحقيقيةِ الشأن..

{وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كاذبين}... والتعبيرُ عن الحق بالموصول للدِلالة على فخامته وللإشعار بعلية ما ذكر في حيز الصلةِ للتبيين وما عُطف عليه وما جعلهما غاية للبعث المشار إليه باعتبار ورودِه في معرِض الردّ على المخالفين، وإبطال مقالةِ المعاندين المستدعي للتعرض لما يردعهم عن المخالفة ويُلجِئهم إلى الإذعان للحق، فإن الكفرة إذا علِموا أن تحقيقَ البعث إذا كان لتبيين أنه حق وليعلموا أنهم كانوا كاذبين في إنكاره كان ذلك أزجرَ لهم عن إنكاره وأدعى إلى الاعتراف به ضرورة أنه يدل على صدق العزيمةِ على تحقيقه كما تقول لمن ينكر أنك تصلّي: لأصَلينّ رغماً لأنفك وإظهاراً لكذبك، ولأن تكررَ الغايات أدلُّ على وقوع الفعل المُغيّى بها وإلا فالغايةُ الأصلية للبعث باعتباره ذاتَه إنما هو الجزاءُ الذي هو الغايةُ القصوى للخلق المُغيّى بمعرفته عز وجل وعبادته، وإنما لم يُذكر ذلك لتكرر ذكرِه في مواضعَ أُخَرَ وشهرتِه، وإنما لم يُدرَج علمُ الكفار بكذبهم تحت التبيين بأن يقال: وإن الذين كفروا كانوا كاذبين، بل جيء بصيغة العلم لأن ذلك ليس مما تعلق به التبيينُ الذي هو عبارةٌ عن إظهار ما كان مُبهماً قبل ذلك بأن يخبرَ به فيُختلفَ فيه، كالبعث الذي نطق به القرآن فاختلف فيه المختلفون، وأما كذِبُ الكافرين فليس من هذا القبيل فما يتعلق به علمٌ ضروريٌّ حاصل هلم من قِبل أنفسِهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

و {كانوا كاذبين} أقوى في الوصف بالكذب من (كذَبوا أو كاذبون)، لما تدلّ عليه (كان) من الوجود زيادة على ما يقتضيه اسم الفاعل من الاتّصاف، فكأنه قيل: وُجد كذبهم ووصفوا به. وكذبهم يستلزم أنهم معذّبون عقوبة على كذبهم. ففيه شتم صريح [و] تعريض بالعقاب.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

{وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين} (اللام) هنا للعاقبة، بينما اللام الأولى للتعليل؛ ولذا كررت اللام لتغاير معناها، ومعنى العاقبة أنهم كانوا يكفرون بالبعث، ويكذبون الرسل في الدعوة إلى الإيمان، ويشركون ويكذبون الرسل في الدعوة إلى التوحيد، فإذا كان البعث والحساب والعقاب لمن أنكر وكابر وأشرك، والثواب لمن آمن وأطاع وصبر وجاهد فإن عاقبة ذلك الذي يرونه حسيا أن يعلموا أنهم كانوا كاذبين في كل ما ادعوا وأنكروا...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} حيث كانوا ينقسمون في الدنيا، بين منكر للآخرة ومؤمن بها. فها هي الحقيقة واضحة الآن أمامهم، يرونها رأي العين، من دون غموض. وهذا هو البيان الحسّي، بعد أن كان الرسل في الدنيا يواجهونهم بالبيان الفكري. وهكذا تحسم الحقيقة الواضحة الخلاف في النهاية. {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِين} في ما أنكروه من أمر الآخرة، ولكن ما الفائدة؟ إنهم يواجهون الآن نتائج المسؤولية في عذاب الله هناك.