الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (38)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} يقول: جهدوا في أيمانهم حين حلفوا بالله عز وجل، يقول الله سبحانه: إن القسم بالله لجهد أيمانهم، يعني: كفار مكة، {لا يبعث الله من يموت}، فكذبهم الله عز وجل، فقال: {بلى} يبعثهم الله عز وجل: {وعدا عليه حقا}، نظيرها في الأنبياء، {كما بدأنا أول خلق نعيده} [الأنبياء:104]، يقول الله تعالى: كما بدأنهم فخلقتهم ولم يكونوا شيئا، {ولكن أكثر الناس}... {لا يعلمون} أنهم مبعوثون من بعد الموت.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وحلف هؤلاء المشركون من قريش بالله "جَهْد أيْمانِهِمْ": حلفهم، لا يبعث الله من يموت بعد مماته، وكذبوا وأبطلوا في أيمانهم التي حلفوا بها كذلك، بل سيبعثه الله بعد مماته، وعدا عليه أن يبعثهم وعد عباده، والله لا يخلف الميعاد. "ولَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ "يقول: ولكن أكثر قريش لا يعلمون وعد الله عباده أنه باعثهم يوم القيامة بعد مماتهم أحياء.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} فإن قيل لنا: ما الحكمة والفائدة في ذكر قسمهم الذي في القرآن وجعل ذلك آية تتلى، وذلك القسم الذي أقسموا كان بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وهم علموا ذلك، (ليس كالأنباء) والقصص التي كانت من قبل؛ إذ كان ذلك شيئا غاب عنه لم يشهده، فأخبرهم على ما كان ففي ذلك إثبات رسالته ونبوته؛ فالحكمة والفائدة في القرآن، وجعلها آيات تتلى ليعلم أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى.

وأما القسم الذي أقسموا ليس فيه ما ذكرنا من إثبات الرسالة، وهم قد علموا ذلك، فما الفائدة في ذكره؟ قيل: يشبه أن يكون ذكره لنا عز وجل لنعلم نحن عظيم سفه أولئك وقلة عقولهم وحلم الرسول واحتمال ما احتمل منهم من الأذى والمكروه لنعلم نحن أن كيف نعامل السفهاء وأهل الفساد والعصاة من الناس على ما عامل رسل الله أقوامهم مع عظيم سفههم وقلة عقولهم، فهذا دليل فائدة ذكر قسمهم في القرآن. قد تكلف أولئك الكفرة الكبراء منهم في تلبيس الآيات والحجج التي أتت بها الرسل مرة بالقسم الذي ذكر حين {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا} يبعثون، ومرة بالنسبة إلى السحر، ومرة بالافتراء، ومرة بالنسبة إلى الجنون، وفي الإنباء بأنه إنما يعلمه بشر منهم. يريدون بذلك التلبيس على الأتباع. ثم البعث واجب بالعقل والحكمة وإخبار الرسل؛ إذ ليس خبر أصدق من أخبار الرسل وآثارهم، وهم من يقبلون الأخبار، فأخبار الرسل أولى بالقبول والتصديق من غيرهم لأن معهم آيات صدقهم ودلالات تحقيقهم. وأما العقل فهو أن يكون هذا العالم وإنشاءه للفناء خاصة خارجا عن الحكمة؛ إذ كل عمل، لا يكون له عاقبة، عبث، وهو كما قال: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} (المؤمنون: 115) أخبر أنه إذا لم يكن رجوع إليه يكون خلقه إياهم عبثا. وأما الحكمة فهي أن الانتقام لأوليائه من الظلمة واجب بظلمهم، والإحسان لأهل الإحسان. فلو لم يكن البعث والحياة بعد الموت لينتقم من الظالم لظلمه، ويجزي المحسن لإحسانه لذهبت فائدة الترغيب على الطاعة والإحسان ووعيد الظالم بالانتقام. فالبعث واجب للوجوه التي ذكرنا، وكذلك التفريق بين الأولياء والأعداء، وقد جمعهم في هذه الدنيا، وفي الحكمة التفريق بينهما تعظيما وإجلالا، إنما كانوا يقسمون بالأصنام والأوثان التي عبدوها. فإذا حلفوا بالله (لا يحلفون) إلا لما يعظهم من الأمر. فذلك جهد أيمانهم.

{بلى وعدا عليه حقا} قوله: {بلى} رد على قولهم: {لا يبعث الله من يموت} فقال: {بلى} يبعث.

وقوله تعالى: {وعدا عليه حقا} يحتمل: {وعدا} أي وعدا به يبعثهم، فحق عليه أن ينجز ما وعد، و {حقا} عليه أن يعد البعث والإنجاز له، والله أعلم.

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وهذا يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه نفى عنهم العلم لما لم ينتفعوا بعلمهم؛ فهو كما نفى عنهم السمع والبصر وغيرهما من الحواس لما لم ينتفعوا بها انتفاع ما لذلك كان خلقها، فنفى عنهم ذلك.

والثاني: نفى عنهم ذلك على حقيقة النفي، لأنهم لم ينظروا ولم يتأملوا في الآيات والأسباب التي بها جعل لهم الوصول إلى العلم، فلم يعلموا. ثم لم يعذرهم بجهلهم ذلك لما جعل لهم سبيل الوصول إلى علم ذلك بالنظر والتأمل في الآيات والحجج. لكنهم شغلوا أنفسهم في غيرها، ولم ينظروا في الأسباب التي جعلها سبيل الوصول إليه. فهذا يدل أن من جهل أمر الله ونهيه يكن مؤاخذا به بعد أن جعل له الوصول إليه بالدلائل والإشارات، فلا تخرج مؤاخذته إياه وعقوبته بترك أمره عن الحكمة. وأما في الشاهد من أمر عبده شيئا، ولم يعلمه ما أمره، ثم عاقبه بذلك فهو خارج عن الحكمة؛ إذ لا سبيل إلى الوصول إلى ما أمر به إلا بالتصريح، ولم يكن منه تصريح إعلام، لذلك كان ما ذكر.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

القَسَمُ يؤكِّد الخبرَ، ولكنَّ يمينَ الكاذب توجِب ضَعْفَ قوله؛ لأنه كلما زاد في جحد الله ازداد القلبُ نفرةً.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَأَقْسَمُواْ بالله} معطوف على {وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ} إيذاناً بأنهما كفرتان عظيمتان موصوفتان حقيقتان بأن تحكيا وتدوّنا: توريك ذنوبهم على مشيئة الله، وإنكارهم البعث مقسمين عليه.

... {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أنهم يبعثون أو أنه وعد واجب على الله؛ لأنهم يقولون: لا يجب على الله شيء، لا ثواب عامل ولا غيره من مواجب الحكمة.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

"وأقسموا بالله جهد أيمانهم" هذا تعجيب من صنعهم، إذ أقسموا بالله وبالغوا في تغليظ اليمين بأن الله لا يبعث من يموت. ووجه التعجيب أنهم يظهرون تعظيم الله فيقسمون به ثم يعجزونه عن بعث الأموات...

" ولكن أكثر الناس لا يعلمون "أنهم مبعوثون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان من حقهم -بعد قيام الأدلة على كمال قدرته وشمول علمه وبلوغ حكمته في إبداع جميع المخلوقات مما نعلم وما لا نعلم على أبدع ترتيب وأحسن نظام- تصديق الهداة في إعلامهم بأنه سبحانه يعيدهم للبعث وأنهم لم يفعلوا ولا طرقوا لذلك احتمالاً، بل حلفوا على نفيه من غير شبهة عرضت لهم ولا إخبار عن علم وصل إليهم فعل الجلف الجافي الغبي العاسي، أتبع ذلك سبحانه تعجيباً آخر من حالهم، فقال -عاطفاً على {وقال الذين أشركوا} لأن كلاًّ من الجملتين لبيان تكذيبهم الرسل والتعجيب منهم في ذلك، دالاً على ان اعتقادهم مضمون هذه الجملة هو الذي جرأهم على قول الأولى وما تفرع منها -: {وأقسموا بالله} أي الملك الأعظم {جهد أيمانهم} جعلت الأيمان جاهدة لكثرة ما بالغوا فيها: {لا يبعث الله} أي الذي له الإحاطة بكل شيء {من يموت} أي يحيي أحداً بعد موته، استناداً منهم إلى مجرد استبعاد مالم تجر به نفسه عندهم عادة، جموداً منهم عن حلها بأن النشأة الأولى كانت من غير عادة، مع ادعائهم أنهم أعقل الناس وأحدهم أذهاناً وأثقبهم أفهاماً.

ثم رد عليهم بقوله تعالى: {بلى} أي ليبعثنهم لأنه لا مانع له من ذلك وقد وعد به {وعداً} وبين أنه لا بد منه بقوله: {عليه} وزاده تأكيداً في مقابلة اجتهادهم في أيمانهم بقوله: {حقاً} أي لأنه قادر عليه وهو لا يبدل القول لديه، فصار واجباً في الحكمة كونه، وأمر البعث معلوم عند كل عاقل سمع أقوال الهداة تاركاً لهواه {ولكن أكثر الناس} أي بما لهم من الاضطراب {لا يعلمون} أي لا علم لهم يوصلهم إلى ذلك لأنه من عالم الغيب لا يمكن عقولهم الوصول إليه بغير إرشاد من الله، ولا هم يقبلون أقوال الدعاة إليه الذين أيدهم بروح منه لتقيدهم بما توصلهم إليه عقولهم، وهي مقصورة على عالم الشهادة لا يمكنها الترقي منه إلى عالم الغيب بغير وساطة منه سبحانه تعالى، فلذلك ترى الإنسان منهم يأبى ذلك استبعاداً لأن يكون شيء معقول لا يصل إليه بمجرد عقله وهو خصيم مبين.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ومقولة ثالثة من مقولات المنكرين المستكبرين:

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت. بلى. وعدا عليه حقا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ليبين لهم الذي يختلفون فيه، وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين. إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له: كن. فيكون)..

ولقد كانت قضية البعث دائما هي مشكلة العقيدة عند كثير من الأقوام منذ أن أرسل الله رسله للناس، يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ويخوفونهم حساب الله يوم البعث والحساب

وهؤلاء المشركون من قريش أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت! فهم يقرون بوجود الله ولكنهم ينفون عنه بعث الموتى من القبور. يرون هذا البعث أمرا عسيرا بعد الموت والبلى وتفرق الأشلاء والذرات!

وغفلوا عن معجزة الحياة الأولى.. وغفلوا عن طبيعة القدرة الإلهية، وأنها لا تقاس إلى تصورات البشر وطاقاتهم. وأن إيجاد شيء لا يكلف تلك القدرة شيئا؛ فيكفي أن تتوجه الإرادة إلى كون الشيء ليكون.

وغفلوا كذلك عن حكمة الله في البعث. وهذه الدنيا لا يبلغ أمر فيها تمامه. فالناس يختلفون حول الحق والباطل، والهدى والضلال، والخير والشر. وقد لا يفصل بينهم فيما يختلفون فيه في هذه الأرض لأن إرادة الله شاءت أن يمتد ببعضهم الأجل، وألا يحل بهم عذابه الفاصل في هذه الديار. حتى يتم الجزاء في الآخرة ويبلغ كل أمر تمامه هناك.

والسياق يرد على تلك المقولة الكافرة، ويكشف ما يحيط بها في نفوس القوم من شبهات فيبدأ بالتقرير: (بلى. وعدا عليه حقا) ومتى وعد الله فقد كان ما وعد به لا يتخلف بحال من الأحوال (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) حقيقة وعد الله.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

انتقال لحكاية مقالة أخرى من شنيع مقالاتهم في كفرهم، واستدلال من أدلّة تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به إظهاراً لدعوته في مظهر المحال، وذلك إنكارهم الحياة الثانية ولبعث بعد الموت. وذلك لم يتقدم له ذكر في هذه السورة سوى الاستطراد بقوله: {فالذين لا يؤمنون بالآخرة} [سورة النحل: 22].

والقسم على نفي البعث أرادوا به الدّلالة على يقينهم بانتفائه.

وتقدّم القول في {جهد أيمانهم} عند قوله تعالى: {أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم} في سورة العقود (53).

وإنما أيقنوا بذلك وأقسموا عليه لأنّهم توهّموا أن سلامة الأجسام وعدم انخرامها شرط لقبولها الحياة، وقد رأوا أجساد الموتى معرّضة للاضمحلال فكيف تعاد كما كانت.

وجملة لا يبعث الله من يموت} عطف بيان لجملة {أقسموا} وهي ما أقسموا عليه.

والبعث تقدّم آنفاً في قوله تعالى: {وما يشعرون أيّان يبعثون} [سورة النمل: 65].

والعدول عن (الموتى) إلى {من يموت} لقصد إيذان الصّلة بتعليل نفي البعث، فإن الصّلة أقوى دلالة على التعليل من دلالة المشتق على عليّة الاشتقاق، فهم جعلوا الاضمحلال منافياً لإعادة الحياة، كما حكي عنهم {وقال الذين كفروا أإذا كنا تراباً وآباؤنا أإنا لمخرجون} [سورة النمل: 67].

و {بَلى} حرف لإبطال النفي في الخبر والاستفهام، أي بل يبعثهم الله. وانتصب {وعداً} على المفعول المطلق مؤكداً لما دلّ عليْه حرف الإبطال من حصول البعث بعد الموت. ويسمى هذا النوع من المفعول المطلق مؤكداً لنفسه، أي مؤكداً لمعنى فعل هو عين معنى المفعول المطلق.

و {عليه} صفة ل {وعداً}، أي وعداً كالواجب عليه في أنه لا يقبل الخلف. ففي الكلام استعارة مكنية. شبه الوعد الذي وعده الله بمحض إرادته واختياره بالحقّ الواجب عليه ورُمز إليه بحرف الاستعلاء.

و {حقاً} صفة ثانية ل {وعداً}. والحقّ هنا بمعنى الصدق الذي لا يتخلّف. وقد تقدم نظيره في قوله تعالى: {وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن} في سورة براءة (111).

والمراد بأكثر الناس المشركون، وهم يومئذٍ أكثر الناس. ومعنى لا يعلمون} أنهم لا يعلمون كيفيّة ذلك فيقيمون من الاستبعاد دليل استحالة حصول البعث بعد الفناء.

والاستدراك ناشئ عن جعله وعداً على الله حقّاً، إذ يتوهّم السامع أن مثل ذلك لا يجهله أحد فجاء الاستدراك لرفع هذا التوهّم، ولأن جملة {وعداً عليه حقاً} تقتضي إمكان وقوعه والناس يستبعدون ذلك.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون}... ما المراد (بالناس)؟، إن أريد المشركون وكلهم لا يعلمون ذلك، وقيل المؤمنون، وإن أريد الناس جميعا، فإن أكثرهم لا يؤمنون بالعودة، ومن اعتقد منهم لا يذعن، وإلا ما كانت المعاصي التي ترتكب جهارا، فهي لا ترتكب إلا من غفلة في الإيمان باليوم الآخر...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}، فأجهدوا أنفسهم، وبالغوا في اليمين، لتأكيد ما يحملونه من فكرة تنكر وجود الآخرة، ليقنعوا الآخرين بأنه {لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ} لكن دون أن يقيموا أيّة حجةٍ على ذلك، لعدم وجود أي دليل عقلي يحكم باستحالة البعث، فضلاً عن الإيمان بالقدرة المطلقة لله سبحانه، فليس لديهم إلا الاستبعاد الناشئ عن خروج الموضوع عما يألفه الناس من الأمور الحسّية المعتادة. وليس في هذا الاستبعاد ما يفرض سقوط الفكرة، الأمر الذي جعلهم في موقع ضعفٍ، فلجأوا إلى استخدام الأيمان المغلظة، كطريقةٍ لإيحاءٍ نفسي بكون ما ينكرونه يمثل الحقيقة.

{بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} تتخذ المسألة جانب التأكيد، من قبل الله، الذي يطرح القضية في نطاق الوعد الحق الذي لا يتخلف عن وقته، وعندما يؤكد الله أمراً، أو يعد به، فإن معنى ذلك أنه يمثل كل الحقيقة التي لا ريب فيها، لأن الله هو خالق كل شيء، من عدم، وهو القادر على أن يعيد ما خلقه إلى الوجود من جديد {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} لأنهم لا يفكرون في ذلك من خلال العقل، ولا يرجعون، في قضاياهم، إلى استلهام الوحي الصادق، ليتعرفوا منه حقائق الغيب. وتلك هي مشكلة الذين لا يعلمون، ولا يحاولون أن يخرجوا من جهلهم، في ما يتعلّق بحقائق الحياة المرتبطة بالإيمان بالله، لأنهم يعيشون أجواء اللامبالاة أمام القضايا التي لا تتصل بحركة الواقع الحسي في حياتهم، ويجهلون خطورة ذلك على صعيد تحديد المسؤولية في الدنيا والآخرة، ما قد يؤدي بهم إلى فقدان وضوح الرؤية الشاملة التي يحتاجونها في التخطيط لحياتهم ككل والسير بالتالي على الصراط المستقيم.. وهذا ما جعل العلم مسؤوليةً في الإسلام، للجاهل أن يتعلم، وللعالم أن يعلّم، لأن قضية المعرفة في الواقع ضرورية لسلامة خط السير، تماماً كما هي قضية الحركة نفسها، كما أن مسألة الإيمان ليست بعيدةً عن الواقع، في عملية صنع الشخصية، وفي حركة الحياة.