الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَقَدۡ أَرَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ} (56)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد أريناه ءاياتنا كلها} يعني: فرعون، الآيات السبع: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والسنين، والعصا، واليد، {فكذب} بها، بأنها ليست من الله، عز وجل، {وأبى}، أن يصدق بها، وزعم أنها سحر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولقد أرينا فرعون آياتنا، يعني أدلتنا وحججنا على حقيقة ما أرسلنا به رسولينا، موسى وهارون إليه كلها، "فَكَذّبَ وأَبَى "أن يقبل من موسى وهارون ما جاءا به من عند ربهما من الحقّ استكبارا وعتوّا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ولقد أريناه آياتنا كلها} ولم يره جميع آياته، إنما أراه بعض آياته. لكن إن كان المراد منها الإعلام له فقد أعلم الآيات كلها لأنه إذا أراه آية واحدة أو بعض الآيات فرؤية آية واحدة أو 3 بعضها تدل على إعلام غيرها من الآيات. فهو على الإعلام قد أعلمه كلها. وهو ما قاله موسى: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض} [الإسراء: 102] علم اللعين أنها الآيات، وليست بسحر. أو أن يكون يريد بالآيات كلها الآيات التي أرسلها إلى موسى، فقد أراه تلك {كلها فكذب} بتلك الآيات {وأبى} أن يصدقها، ويقبلها، فيسلم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{أريناه}: بصرناه أو عرفناه صحتها ويقناه بها. وإنما كذب لظلمه، كقوله تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل: 14] وقوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَائِرَ} [الإسراء: 102] وفي قوله تعالى: {كُلَّهَا فَكَذَّبَ} وجهان، أحدهما: أن يحذى بهذا التعريف الإضافي حذو التعريف باللام لو قيل الآيات كلها، أعني أنها كانت لا تعطي إلا تعريف العهد، والإشارة إلى الآيات المعلومة التي هي تسع الآيات المختصة بموسى عليه السلام: العصا، واليد، وفلق البحر، والحجر، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونتق الجبل. والثاني: أن يكون موسى قد أراه آياته وعدّد عليه ما أوتيه غيره من الأنبياء من آياتهم ومعجزاتهم، وهو نبيّ صادق لا فرق بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به، فكذبها جميعاً {وأبى} أن يقبل شيئاً منها. وقيل: فكذب الآيات وأبى قبول الحق.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى بين أنه أرى فرعون الآيات كلها ثم إنه لم يقبلها، واختلفوا في المراد بالآيات؛ فقال بعضهم أراد كل الأدلة ما يتصل بالتوحيد وما يتصل بالنبوة، أما التوحيد فما ذكر في هذه السورة من قوله: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} وقوله: {الذي جعل لكم الأرض مهدا} الآية، وما ذكر في سورة الشعراء: {قال فرعون وما رب العالمين * قال رب السماوات والأرض} الآيات، وأما النبوة فهي الآيات التسع التي خص الله بها موسى عليه السلام وهي العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفادع والدم ونتق الجبل...وعلى هذا التقرير معنى أريناه عرفناه صحتها وأوضحنا له وجه الدلالة فيها، ومنهم من حمل ذلك على ما يتصل بالنبوة وهي هذه المعجزات، وإنما أضاف الآيات إلى نفسه سبحانه وتعالى مع أن المظهر لها موسى عليه السلام لأنه أجراها على يديه كما أضاف نفخ الروح إلى نفسه فقال: {فنفخنا فيها من روحنا} مع أن النفخ كان من جبريل عليه السلام.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

يخبر تعالى، أنه أرى فرعون من الآيات والعبر والقواطع، جميع أنواعها العيانية، والأفقية والنفسية، فما استقام ولا ارعوى، وإنما كذب وتولى، كذب الخبر، وتولى عن الأمر والنهي، وجعل الحق باطلا، والباطل حقا، وجادل بالباطل ليضل الناس.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

رجوع إلى قصص موسى عليه السلام مع فرعون. وهذه الجملة بين الجمل التي حكت محاورة موسى وفرعون وقعت هذه كالمقدمة لإعادة سَوق ما جرى بين موسى وفرعون من المحاورة. فيجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة: {قال فمن ربكما يا موسى} [طه: 49] باعتبار ما يقدّر قبل المعطوف عليها من كلام حذف اختصاراً، تقديره: فأتيَاهُ فقالاَ ما أمرناهما أن يقولاه قال فمن ربّكما الخ. المعنى: فأتياه وقالا ما أمرناهما وأريناه آياتنا كلها على يد موسى عليه السلام.

ويجوز أن تكون الجملة معترضة بين ما قبلها، والواو اعتراضيّة.

وتأكيد الكلام بلام القسم و (قد) مستعمل في التعجيب من تصلّب فرعون في عناده، وقصد منها بيان شِدّته في كفره وبيان أن لموسى آيات كثيرة أظهرها الله لفرعون فلم تُجْد في إيمانه.

وأجملت وعُممت فلم تفصل، لأنّ المقصود هنا بيان شدّة تصلبه في كفره بخلاف آية سورة الأعراف التي قصد منها بيان تعاقب الآيات ونصرتها.

وإراءة الله إياه الآيات: إظهارها له بحيث شاهدها.

وإضافة (آيات) إلى ضمير الجلالة هنا يفيد تعريفاً لآيات معهودة، فإن تعريف الجمع بالإضافة يأتي لما يأتي له التعريف باللاّم يكون للعهد ويكون للاستغراق، والمقصود هنا الأول، أي أرينا فرعون آياتنا التي جرت على يد موسى، وهي المذكورة في قوله تعالى: {في تسع آيات إلى فرعون وقومه} [النمل: 12]. وهي انقلاب العصا حيّة، وتبدّل لون اليد بيضاء، وسِنُو القحط، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، والطوفان، وانفلاق البحر. وقد استمر تكذيبه بعد جميعها حتى لما رأى انفلاق البحر اقتحمه طمعاً للظفر ببني إسرائيل.

وتأكيد الآيات بأداة التوكيد {كُلَّها} لزيادة التعجيب من عناده. ونظيره قوله تعالى: {ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها} في سورة القمر (41، 42).

وظاهر صنيع المفسرين أنهم جعلوا جملة {ولَقَدْ أريناهُ ءاياتنا} عطفاً على جملة {قال فمن ربكما يا موسى} [طه: 49]، وجملة {قال فمن ربكما بياناً لجملة فَكَذَّبَ وأبى}. فيستلزم ذلك أن يكون عزم فرعون على إحضار السحرة متأخّراً عن إرادة الآيات كلها فوقعوا في إشكال صحة التعميم في قوله تعالى: {آياتِنَا كُلَّهَا} وكيف يكون ذلك قبل اعتراف السحرة بأنهم غلبوا مع أن كثيراً من الآيات إنما ظهر بعد زمن طويل مثل: سني القحط، والدم، وانفلاق البحر. وهذا الحمل لا داعي إليه لأنّ العطف بالواو لا يقتضي ترتيباً.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وسبق أن قسمنا آيات الله إلى: آيات كونية كالشمس والقمر، وآيات لإثبات صدق الرسل وهي المعجزات، وآيات القرآن الكريم والتي تسمى حاملة الأحكام. لكن آيات الله – عز وجل – كثيرة ولا تحصى، فهل المراد هنا أن فرعون رأى كل آيات الله؟ لا؛ لأن المراد هنا الآيات الإضافية، وهي الآيات التسعة التي جعلها الله حجة لموسى وهارون، ودليلا على صدقهما، كما قال سبحانه: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات.. (101)} (الإسراء). وهي: العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين والنقص من الثمرات، تلك هي الآيات التي أراها الله لفرعون. والكلية في قوله: {آياتنا كلها} كلية إضافية. أي: كل الآيات الخاصة به كما تقول لولدك (لقد أحضرت لك كل شيء) وليس المقصود أنك أتيت له بكل ما في الوجود، إنما هي كلية إضافية تعني كل شيء تحتاج إليه. ومع ذلك كانت النتيجة {فكذب وأبى} كذب: يعني نسبها إلى الكذب، والكذب قول لا واقع له، وكان تكذيبه لموسى علة إبائه {وأبى}: امتنع عن الإيمان بما جاء به موسى. ولو ناقشنا فرعون في تكذيبه لموسى عندما قال: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} (طه 50) لماذا كذبت يا فرعون؟ الحق سبحانه قال: خلقت هذا الكون بما فيه، ولم يأت أحد لينقض هذا القول، أو يدعيه لنفسه، حتى أنت يا من ادعيت الألوهية لم تدع خلق شيء، فهي – إذن – قضية مسلم بها للخالق عز وجل لم ينازعه فيها أحد، فأنت – إذن – كاذب في تكذيبك لموسى، وفي إبائك الإيمان به.