الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَقَدۡ أَرَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ} (56)

قوله : { أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا } : هي مِنْ " رأى " البصَريةِ فَلَمَّا دخلَتْ همزةُ النقل تَعَدتْ بها إلى اثنين أولُهما الهاء ، والثاني " آياتِنا " ، والمعنى : أَبْصَرْناه . والإِضافةُ هنا قائمةٌ مقامَ التعريفِ العَهْدي أي : الآياتِ المعروفةَ كالعصا واليد ونحوهما ، وإلاَّ فلم يُرِ اللهُ تعالى فرعونَ جميعَ ِآياتِه . وجَوَّز الزمخشري أن يُرادَ بها الآياتُ على العموم بمعنى : أنَّ موسى عليه السلام أراه الآياتِ التي بُعِث بها وعَدَّد عليه الآياتِ التي جاءَتْ بها الرسلُ قبله عليهم السلام ، وهو نبيٌّ صادقٌ ، لا فرقَ بين ما يُخْبِرُ عنه وبين ما يُشاهَدُ به " .

قال الشيخ : " وفيه بُعْدٌ ؛ لأنَّ الإِخبارَ بالشيءِ لا يُسَمَّى رؤيةً له إلاَّ بمجازٍ بعيد . وقيل : بل الرؤيةُ هنا رؤيةٌ قلبيةٌ ، فالمعنى : أَعْلَمْناه " وأيَّد ذلك : بأنه لم يكن أراه إلاَّ اليدَ والعصا فقط . ومَنْ جَوَّز استعمالَ اللفظِ في حقيقتِه ومجازِه أو إعمالَ المشتركِ في معنَيَيْه يجيزُ يُرادَ المعنيان جميعاً . وتأكيدُه للآيات ب " كلَّها " يدلُّ على إرادةِ العمومِ لأنَّهم قالوا : فائدةٌ التوكيدِ ب " كل " وأخواتِها رَفْعُ تَوَهُّمِ وَضْعِ الأخَصِّ مَوْضعَ الأعمِّ ، فلا يُدَّعَى أنه أراد بالآياتِ آياتٍ مخصوصةً ، وهذا يَتَمَشَّى على أن الرؤيةَ قلبيةٌ ، ويُراد بالآيات ما يَدُلُّ على وَحْدانيةِ الله وصِدْقِ المبلِّغ . ولم يذكر معفولَ التكذيب والإِباءِ تعظيماً له ، وهو معلومٌ .