الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّا نَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَٰيَٰنَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (51)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إنا نطمع} أي نرجوا {أن يغفر لنا ربنا خطايانا} يعني: سحرنا {أن كنا أول المؤمنين} يعني: أول المصدقين بتوحيد الله عز وجل من أهل مصر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة: إنا نطمع: إنا نرجوا أن يصفح لنا ربنا عن خطايانا التي سلفت منا قبل إيماننا به، فلا يعاقبنا بها... قال ابن زيد، في قوله "إنّا نَطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لَنا رَبّنا خَطايانا "قال: السحر والكفر الذي كانوا فيه. "أنْ كُنّا أوّلَ المُؤْمِنِينَ" يقول: لأن كنا أوّل من آمن بموسى وصدّقه بما جاء به من توحيد الله وتكذيب فرعون في ادّعائه الربوبية في دهرنا هذا وزماننا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال بعضهم: إن كنا أول المؤمنين من قوم فرعون، وقال بعضهم: إن كنا أول أهل مصر إيمانا. و جائز: إن كنا أول المؤمنين للحال.

وقال بعض أهل التأويل: إن فرعون قد فعل بهم ما أوعد من قطع الأيدي والأرجل والصلب. لكن ليس في الآية بيان حلول ما أوعد بهم، فلا نقول به مخافة الكذب.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{أَن كُنَّا} معناه: لأن كنا، وكانوا أوّل جماعة مؤمنين من أهل زمانهم، أو من رعية فرعون، أو من أهل المشهد. وقرىء: «إن كنا» بالكسر وهو من الشرط الذي يجيء به المدلّ بأمره، المتحقق لصحته، وهم كانوا متحققين أنهم أوّل المؤمنين.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وذلك معنى قولهم معللين ما قبله: {إنا نطمع أن يغفر} اي يستر ستراً بليغاً {لنا ربنا} الذي أحسن إلينا بالهداية {خطايانا} أي التي قدمناها على كثرتها؛ ثم عللوا طمعهم مع كثرة الخطايا بقولهم: {أن كنا} أي كوناً هو لنا كالجبلة {أول المؤمنين} أي من أهل هذا المشهد، وعبروا بالطمع إشارة إلى أن جميع أسباب السعادة منه تعالى، فكأنه لا سبب منهم أصلاً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 50]

إنها كلمة القلب الذي وجد الله فلم يعد يحفل ما يفقد بعد هذا الوجدان. القلب الذي اتصل بالله فذاق طعم العزة فلم يعد يحفل الطغيان. القلب الذي يرجو الآخرة فلا يهمه من أمر هذه الدنيا قليل ولا كثير: (قالوا: لا ضير. إنا إلى ربنا منقلبون. إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين).. لا ضير. لا ضير في تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف. لا ضير في التصليب والعذاب. لا ضير في الموت والاستشهاد.. لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون.. وليكن في هذه الأرض ما يكون: فالمطمع الذي نتعلق به ونرجوه (أن يغفر لنا ربنا خطايانا) جزاء (أن كنا أول المؤمنين).. وأن كنا نحن السابقين.. يا لله! يا لروعة الإيمان إذ يشرق في الضمائر. وإذ يفيض على الأرواح. وإذ يسكب الطمأنينة في النفوس. وإذ يرتفع بسلالة الطين إلى أعلى عليين. وإذ يملأ القلوب بالغنى والذخر والوفر، فإذا كل ما في الأرض تافه حقير زهيد. هنا يسدل السياق الستار على هذه الروعة الغامرة. لا يزيد شيئا. ليبقى للمشهد جلاله الباهر وإيقاعه العميق. وهو يربي به النفوس في مكة وهي تواجه الأذى والكرب والضيق ويربي به كل صاحب عقيدة يواجه بها الطغيان والعسف والتعذيب. فأما بعد ذلك فالله يتولى عباده المؤمنين. وفرعون يتآمر ويجمع جنوده أجمعين.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة: {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطيانا} بيان للمقصود من جملة: {إنا إلى ربنا منقلبون}. والطمع: يطلق على الظن الضعيف، وعُرِّف بطلب ما فيه عسر. ويطلق ويراد به الظن كما في قول إبراهيم {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} [الشعراء: 82]، فهذا الإطلاق تأدّب مع الله لأنه يفعل ما يريد. وعلّلوا ذلك الطمع بأنهم كانوا أول المؤمنين بالله بتصديق موسى عليه السلام، وفي هذا دلالة على رسوخ إيمانهم بالله ووعده.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

{إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} إيمان قوي وصبر على البلاء، ورجاء ما عند الله العزيز الحكيم، وذكروا طمعهم في غفرانه، ولم يذكروا تأكدهم منه؛ لأن شأن المؤمن الذي يذكر سيئاته أن يرجو ولا يطمع، ويخاف ولا يتأكد، ولتذكرهم لما أخطئوا به في جنب الله لم يذكروا طمعهم إلا أن يغفر لهم خطاياهم، والخطايا جمع خطيئة، وهو الإثم الذي استغرق النفس حتى امتلأ بالباطل، وكذلك كانوا في عهد الرحمن، وأي خطيئة أعظم من أن يعبدوا فرعون وهو الجبار حتى طمع فيهم وأذلهم، وأذل أرض مصر ومن فيها.

وقد قالوا في الخير الذي فعلوه مقابلين به الطمع في الغفران {أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} من أهل مصر قوم فرعون...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ثمّ أضافوا بأنّهم واجهوا النّبي موسى (عليه السلام) من قبل بالتكذيب وأذنبوا كثيراً، ولكن مع ذلك ف (إنا نطمع أن يغفر لنا ربّنا خطايانا أن كنا أوّل المؤمنين)... إنّنا لا نستوحش اليوم من أي شيء، لا من تهديداتك، ولا من تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ولا من الصلب على جذوع النخل. وإذا كنّا نخاف من شيء، فإنّما نخاف من ذنوبنا الماضية، ونرجوا أن تمحى في ظل الإيمان وبفضل الله ولُطْفهِ!

أية طاقة وقوّة هذه التي إن وُجدت في الإنسان صغرت عندها أعظم القوى، وهانت عنده أشد الأُمور، وكرمت نفسه بسخاء في موقف التضحية والإيثار؟! إنّها قوّة الإيمان. إنّها شعلة العشق النيرة، التي تجعل الشهادة في سبيل الله أحلى من الشهد والعسل، وتصيّر الوصال إلى المحبوب أسمى الأهداف! هذه هي القوّة التي استعان بها النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وربّى المسلمين الأوائل عليها، وأوصل أمة جهلاءَ متأخرة إلى أوج الفخر بسرعة مذهلة، فكانت الأُمة المسلمة التي أذهلت الدنيا! إلاّ أن هذا المشهد على كل حال كان غالياً وصعباً على فرعون وقومه، بالرغم من أنّه طبّق تهديداته طبقاً لبعض الروايات فاستشهد على يديه السحرة المؤمنون إلاّ أن ذلك لم يطفئ عواطف الناس تجاه موسى فحسب، بل أثارها أكثر فأكثر!... ففي كل مكان كانت أصداء النّبي الجديد... وفي كل حدب وصوب حديث عن أوائل الشهداء المؤمنين، وهكذا آمن جماعة بهذا النحو، حتى أن جماعة من قوم فرعون وأصحابه المقربين حتى زوجته، آمنوا بموسى أيضا. وهنا ينقدح هذا السؤال، وهو: كيف عبر السحرة التائبون المؤمنون عن أنفسهم بأنّهم أوّل المؤمنين... هل كان مرادهم أنّهم أوّل المؤمنين في ذلك المشهد؟! أو كان مرادهم أنّهم أوّل المؤمنين من حماة فرعون؟! أو أنّهم أوّل المؤمنين الذين وردوا «الشهادة». كل هذه الأُمور محتملة، ولا تتنافى في ما بينها. وهذه التفاسير إنّما تصحّ في صورة ما لو قلنا بأنّ جماعة من بني إسرائيل أو من غيرهم آمنوا بموسى قبل ذلك، أما لو قلنا بأنّهم أمروا بعد البعثة أن يتصلوا بفرعون مباشرةً وأن يوردوا الضربة الأُولى عليه، فلا يبعد أن يكونوا أول المؤمنين، ولا حاجة عندئذ إلى تفسير آخر.