اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّا نَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَٰيَٰنَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (51)

والجواب الثاني : قوله : { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا } وهو إشارة منهم إلى الكفر والسحر وغيرهما . والطمع في هذا الموضع يحتمل اليقين ، كقول إبراهيم - عليه السلام{[37135]} - : «وَالَّذِي أَطْمَعُ »{[37136]} . ويحتمل الظن ، لأن المرء لا يعلم ما سيختاره من بعد{[37137]} . قوله : «أَنْ كُنَّا » . قرأ العامة بفتح «أَنْ » أي : لأن كُنَّا بينوا القول بالإيمان وقرأ أبان بن تغلب وأبو معاذ{[37138]} بكسر الهمزة{[37139]} ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنها شرطية ، والجواب محذوف لفهم المعنى{[37140]} ، أو متقدم عند من يجيزه{[37141]} .

نظيره قول القائل{[37142]} : «إنْ كُنْتُ عملتُ فوفِّنِي حَقِّي » مقولة لمن يؤخر جعله{[37143]} .

والثاني : أنها المخففة من الثقيلة ، واستغني عن اللام الفارقة{[37144]} لإرشاد المعنى إلى الثبوت دون النص{[37145]} كقوله :

3902 - وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامُ المَعَادِنِ{[37146]} *** . . .

وفي الحديث : «إن كان رسول ( الله - صلى الله عليه وسلم ){[37147]} - يحبُّ العسل » أي : ليحبُّه{[37148]} .

والمعنى على الأول{[37149]} : لأن كنا أول المؤمنين ، من الجماعة الذين حضروا ذلك الموقف ، أو يكون المراد : من السحرة خاصة ، أو من رعية فرعون ، أو من أهل زمانهم{[37150]} .


[37135]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[37136]:من قوله تعالى: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} الآية 82 من السورة نفسها.
[37137]:انظر الفخر الرازي 24/135-136.
[37138]:هو الفضل بن خالد أبو معاذ النحوي المروزي، روى القراءة عن خارجة بن مصعب، وروى عنه الليث بن مقاتل، وغيره مات سنة 211 هـ. طبقات القراء 2/9.
[37139]:المختصر (106)، دون عزو إلى قارىء، المحتسب 2/127، منسوبة إلى أبان بن تغلب، البحر المحيط 7/16.
[37140]:هذا التخريج على مذهب البصريين. انظر المحتسب 2/128-129، البحر المحيط 7/16، الهمع 2/61.
[37141]:هذا التخريج على مذهب الكوفيين والأخفش وأبي زيد والمبرد الذين يجيزون تقديم جواب الشرط عليه. انظر البحر المحيط 7/16، الهمع 2/61.
[37142]:في ب: العامل.
[37143]:الكشاف: 3/115.
[37144]:في ب: العارفة. وهو تحريف.
[37145]:وهو قول أبي حيان. البحر المحيط 7/16.
[37146]:عجز بيت من بحر الطويل قاله الطّرماح بن حكيم، وصدره: أنا ابن أباة الضّيم من آل مالك *** ... وهو في ديوانه (512)، البحر المحيط 7/16، شرح التصريح 1/231، الهمع 1/141، الأشموني 1/289، الدرر 1/181. أباة: جمع آب كقضاة جمع قاض من أبى إذا امتنع، الضيم: الظلم، مالك: اسم أبي القبيلة، ومالك الثاني هو القبيلة، ولذلك قال: كانت. بتأنيث الفعل، وصرفها مراعاة للحيّ. والشاهد فيه حذف اللام الفارقة من خبر (إن) المخففة من الثقيلة لدلالة المقام عليها إذ إن المقام للمدح وتوهم النفي هنا ممتنع.
[37147]:ما بين القوسين سقط من ب.
[37148]:يعني بالحديث الخبر لا حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقد روي عن أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحب الحلواء والعسل". أخرجه البخاري (طلاق) 3/271، (أطعمة) 3/298، (أشربة) 3/325. الترمذي (أطعمة) 3/178، أبو داود (أشربة) 4/107، ابن ماجة (أطعمة) 2/1102، أحمد 6/509.
[37149]:أي على قراءة العامة.
[37150]:انظر الفخر الرازي 24/136.