وقوله تعالى : { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خطايانا أَن كُنَّا } أي لأن كنا { أَوَّلُ المؤمنين } تعليل ثان لنفي الضير ولم يعطف إيذانا بأنه مما يستقل بالعلية ، وقيل إن عدم العطف لتعلق التعليل بالمعلل الأول مع تعليله وجوز أن يكون تعليلاً للعلة والأول أظهر أي لا ضير علينا في ذلك إنا نطمع أن يغفر بنا بنا خطايانا لكوننا أول المؤمنين ، والطمع أما على بابه كما استظهره أبو حيان لعدم الوجوب على الله عز وجل ، وإما بمعنى التيقن كما قيل به في قول إبراهيم عليه السلام : { والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين } [ الشعراء : 82 ] وقولهم : { أَوَّلُ المؤمنين } يحتمل أنهم أرادوا به أول المؤمنين من اتباع فرعون أو أول المؤمنين من أهل المشهد أو أول المؤمنين من أهل زمانهم ، ولعل الأخبار بكونهم كذلك لعدم علمهم بمؤمن سبقهم بالإيمان فهو إخبار مبني على غالب الظن ولا محذور فيه كذا قيل ، وقيل : أرادوا أول من أظهر الإيمان بالله تعالى وبرسوله عند فرعون كفاحاً بعد الدعوة وظهور الآية فلا يرد مؤمن من آل فرعون . وآسية ، وكذا لا يرد بن إسرائيل لأنهم كما في البحر كانوا مؤمنين قبلهم إما لعدم علم السحرة بذلك أو لأن كلا من المذكورين لم يظهر الإيمان بالله تعالى ورسوله عند فرعون كفاحاً بعد الدعوة وظهور الآية فتأمل .
وقرأ أبان بن تغلب . وأبو معاذ { أَن كُنَّا } بكسر همزة { أن } وخرج على أن إن شرطية والجواب محذوف يدل عليه ما قبله أي إن كنا أول المؤمنين فإنا نطمع ، وجعل صاحب اللوامح الجواب { إِنَّا نَطْمَعُ } المتقدم وقال : جاز حذف الفاء منه لتقدمه وهو مبني على مذهب الكوفيين . وأبي زيد . والمبرد حيث يجوزون تقديم جواب الشرط ، وعلى هذا فالظاهر أنهم لم يكونوا متحققين بأنهم أول المؤمنين ، وقيل : كانوا متحققين ذلك لكنهم أبرزوه في صورة الشك لتنزيل الأمر المعتمد منزلة غيره تمليحاً وتضرعاً لله تعالى ، وفي ذلك هضم النفس والمبالغة في تحري الصدق والمشاكلة مع { نَطْمَعُ } على ما هو الظاهر فيه ، وجوز أبو حيان أن تكون أن هي المخففة من الثقيلة ولا يحتاج إلى اللام الفارقة لدلالة الكلام على أنهم مؤمنون فلا احتمال للنفي ، وقد ورد مثل ذلك في الفصيح ففي الحديث : «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل » ، وقال الشاعر :
ونحن أباة الضيم من آل مالك *** وإن مالك كانت كرام المعادن
وعلى هذا الوجه يكونون جازمين بأنهم أول المؤمنين أتم جزم . واختلف في أن فرعون هل فعل بهم ما أقسم عليه أولاً والأكثرون على أنه لم يفعل لظاهر قوله تعالى : { أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون } [ القصص : 35 ] وبعض هؤلاء زعم أنهم لما سجدوا رأوا الجنات والنيران والملكوت السموات والأرض وقبضت أرواحهم وهم ساجدون ، وظواهر الآيات تكذيب أمر الموت في السجود ، وأما رؤية أمر ما ذكر فلا جزم عندي بصدقه والله تعالى أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.