الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَمِن رَّحۡمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (73)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر عن صنعه تعالى ذكره، فقال سبحانه: {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا} يعني: لتستقروا {فيه} بالليل من النصب {ولتبتغوا} بالنهار {من فضله} يعني: الرزق {ولعلكم تشكرون} ربكم في نعمه، فتوحدوه عز وجل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"وَمِنْ رَحْمَتِهِ" بكم أيها الناس "جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ والنّهارَ "فخالف بينهما، فجعل هذا الليل ظلاما "لِتَسْكُنُوا فِيهِ" وتهدؤوا وتستقرّوا لراحة أبدانكم فيه من تعب التصرّف الذي تتصرّفون نهارا لمعايشكم... وجعل هذا النهار ضياء تبصرون فيه، فتتصرّفون بأبصاركم فيه لمعايشكم، وابتغاء رزقه الذي قسمه بينكم بفضله الذي تفضل عليكم.

وقوله: "وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ" يقول تعالى ذكره: ولتشكروه على إنعامه عليكم بذلك، فعل ذلك بكم لتفردوه بالشكر، وتخلصوا له الحمد، لأنه لم يشركه في إنعامه عليكم بذلك شريك، فلذلك ينبغي أن لا يكون له شريك في الحمد عليه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... وقوله تعالى: {أفلا تسمعون} وقوله: {أفلا تبصرون} إنما هو سمع عقل وقلب وبصر عقل وقلب؛ كأنه يقول: {أفلا تسمعون} هذا بالعقل، ويقول: {أفلا تبصرون} بالعقل، والله أعلم، كقوله: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج: 46].

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَمِن رَّحْمَتِهِ} زاوج بين الليل والنهار لأغراض ثلاثة: لتسكنوا في أحدهما وهو الليل، ولتبتغوا من فضل الله في الآخر وهو النهار ولإرادة شكركم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 72]

ثم ذكر عز وجل انقسام الليل والنهار على السكون وابتغاء الفضل بالمشي والتصرف وهذا هو الغالب في أمر الليل والنهار، فعدد النعمة بالأغلب وإن وجد من يسكن بالنهار ويبتغي فضل الله بالليل فالشاذ النادر لا يعتد به، وقال بعض الناس: قوله تعالى {جعل لكم الليل والنهار}. إنما عبر به عن الزمان لم يقصد لتقسيم، أي في هذا الوقت الذي هو ليل ونهار يقع السكون وابتغاء الفضل، وقوله {ولعلكم} أي على نظر البشر من يرى هذا التلطف والرفق يرى أن ذلك يستدعي الشكر ولا بد.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: تشكرون الله بأنواع العبادات في الليل والنهار، ومن فاته شيء بالليل استدركه بالنهار، أو بالنهار استدركه بالليل، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62]. والآيات في هذا كثيرة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان التقدير: فمن حكمته جعل لكم السمع والأبصار، لتتدبروا آياته، وتتبصروا في مصنوعاته، عطف عليه {ومن رحمته} أي التي وسعت كل شيء لا من غيرها من خوف أو رجاء أو تعلق غرض من الأغراض {جعل لكم الليل والنهار} آيتين عظيمتين دبر فيهما وبهما جميع مصالحكم، وادخر معظم رحمته إلى الآخرة، ومحا آية الليل {لتسكنوا فيه} أي فلا تسعوا في معاشكم {و} جعل آية النهار مبصرة {لتبتغوا من فضله} بأن تسعوا في معاشكم بجهدكم، فالآية من الاحتباك: ذكر أولاً السكون دليلاً على حذف السعي في المعاش ثانياً، والابتغاء ثانياً دليلاً على حذف عدم السعي في المعاش أولاً.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

وفي هذه الآيات، تنبيه إلى أن العبد ينبغي له أن يتدبر نعم اللّه عليه، ويستبصر فيها، ويقيسها بحال عدمها، فإنه إذا وازن بين حالة وجودها، وبين حالة عدمها، تنبه عقله لموضع المنة، بخلاف من جرى مع العوائد، ورأى أن هذا أمر لم يزل مستمرا، ولا يزال. وعمي قلبه عن الثناء على اللّه، بنعمه، ورؤية افتقاره إليها في كل وقت، فإن هذا لا يحدث له فكرة شكر ولا ذكر.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تصريح بنعمة تعاقب الليل والنهار على الناس بقوله {لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله}... و {من} تبعيضية فإن رحمة الله بالناس حقيقة كلية لها تحقق في وجود أنواعها وآحادها العديدة،... والمقصود إظهار أن هذا رحمة من الله وأنه بعض من رحمته التي وسعت كل شيء ليتذكروا بهما نعماً أخرى. وقدم المجرور ب {من رحمته} على عامله للاهتمام بمنة الرحمة.