{ ومن رحمته } من رفق الله تعالى بعباده ، ومن ترفقه بكم أيها الناس{ جعل لكم الليل والنهار } أوجد الله الليل مظلما ساكنا هادئا ، والنهار مضيئا موقظا ، وبحركة الخلق وسعيهم ونفعهم حافلا ، ما إن ينشق نوره حتى تنتفض الطيور من أوكارها ، ويتهيأ النبات والحيوان لاستقبال الشمس والاستفادة من إشعاعها وضيائها ، { لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } لتستقروا في الليل وترقدوا وتسكنوا راحة لأبدانكم من عناء ما تكابد وتلاقي ، ولتطلبوا في النهار رزقكم الذي قسم الله لكم تفضلا منه وكرما ، وكأن التقدير : لتسكنوا في الليل ، ولتبتغوا من فضل الله في النهار ، وبهذا جاء القرآن الكريم في آية كريمة أخرى : ) الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون( {[3108]} ، قال صاحب جامع البيان : وفي الهاء التي في قوله : { لتسكنوا فيه } وجهان : أحدهما- أن تكون من ذكر الليل خاصة ، ويضمر للنهار مع الابتغاء هاء أخرى ، والثاني- أن تكون من ذكر الليل والنهار ، فيكون وجه توحيدها وهي لهما توحيد العرب في قولهم : إقبالك وإدبارك يؤذيني ، لأن الإقبال والإدبار فعل ، والفعل يوحد كثيره وقليله . اه ، { ولعلكم تشكرون } أنعم المولى الكريم الوهاب عليكم بهاتين النعمتين بين نعم أخرى لا تحصونها ، رفقا بكم ولتشكروه على إنعامه عليكم بذلك ، نقل ابن كثير : أن الحمد لله ثناء عليه بأسمائه وصفاته ، وأن الشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه . . . وأن الشكر على الصفات المتعدية ، لا يقال : شكرته لفروسيته ، ولكن تقول : شكرته على كرمه وإحسانه إلي . اه والشكر منهاج النبيين والمؤمنين ، فالله سبحانه يثني على نوح عليه الصلاة والسلام بقوله الحكيم : ( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا( {[3109]} ، كما علمتنا آية كريمة بعض وصية لقمان لابنه وهو يعظه : ( . . . أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير( {[3110]} ، ورسول الله سليمان عليه السلام يتوجه إلى ربه ضارعا أن يعينه على شكر النعمة ، كما شهد بذلك قول الحق تبارك وتعالى : )فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين( {[3111]} ، وربنا عز وجل يأمر موسى صلوات الله عليه أن يظل شاكرا : ) . . فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين( {[3112]} كما بين الكتاب المجيد أن الشكر سبيل العفو والقبول : ) . . قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين . أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة . . ( {[3113]} ، هذا ! والإعراض عن الشكر يعقب الخسران ، ويلحق المعرضين بحزب الشيطان ، فإن إبليس لما تأبى عن أمر ربه وغوى ، أقسم بين يدي الله- كما يحكي الذكر الحكيم- بأن يضم إليه أكثر ذرية آدم ليكونوا معه من أصحاب السعير ، بما يقيمون عليه من الانصراف عن شكر العلي الكبير : )قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ( {[3114]} ، فحق على من يبتغي ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة أن يديم شكر المنعم عرفانا بفضله ، وإذعانا لأمره ، وتعرضا للمزيد من فضله وخيره ، فهو سبحانه القائل : ) . . لئن شكرتم لأزيدنكم . . ( {[3115]} ، ولا يبطرن أهل النعيم نعيمهم ، ولا يحملنهم على الكفور ترفهم ، فكم من موسع لهم ثبتت على الحق قلوبهم ، فسليمان الذي سخر الله له الجن والإنس والطير والريح وحقائق العلم ، لما نقل إليه عرش المالكين لسبأ ما فتنه هذا الملك الذي لم ينبغ لأحد من بعده ، بل هتف مذعنا لله ، حذرا من فتن الحياة : ) . . هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم( {[3116]} ، فاشكروا الله بألسنتكم وجوارحكم وقلوبكم ، وسلوه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.