البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِن رَّحۡمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (73)

و { من رحمته } ، من هنا للسبب ، أي وبسبب رحمته إياكم ، { جعل لكم الليل والنهار } ، ثم علل جعل كل واحد منهما ، فبدأ بعلة الأول ، وهو الليل ، وهو : { لتسكنوا فيه } ، ثم بعلة الثاني وهو : { ولتبتغوا من فضله } ، ثم بما يشبه العلة لجعل هذين الشيئين وهو : { لعلكم تشكرون } ، أي هذه الرحمة والنعمة .

وهذا النوع من علم البديع يسمى التفسير ، وهو أن تذكر أشياء ثم تفسرها بما يناسبها ، ومنه قول ابن جيوش :

ومقرطق يغني النديم بوجهه *** عن كأسه الملأى وعن إبريقه

فعل المدام ولونها ومذاقها *** في مقلتيه ووجنتيه وريقه

والضمير في { فيه } عائد على الليل ، وفي { فضله } يجوز أن يكون عائداً على الله ، والتقدير : من فضله ، أي من فضل الله فيه ، أي في النهار ؛ وحذف لدلالة المعنى ، ولدلالة لفظ فيه السابق عليه .

ويحتمل أن يعود على النهار ، أي من فضل النهار ، ويكون أضافه إلى ضمير النهار على سبيل المجاز .

لما كان الفضل حاصلاً فيه ، أضيف إليه ، كقوله : { بل مكر الليل والنهار . }