الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ} (31)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون بالله من قريش لما جاءهم القرآن من عند الله: هذا سحر، فإن كان حقا فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف.

واختُلف في الرجل الذي وصفوه بأنه عظيم، فقالوا: هلاّ نزل عليه هذا القرآن؛ فقال بعضهم: هلاّ نزل على الوليد بن المُغيرة المخزومي من أهل مكة، أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف؟... وقال آخرون: بل عُنِي به عُتْبةُ بن ربيعة من أهل مكة، وابن عبد يالِيل، من أهل الطائف...

وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المُغيرة، ومن أهل الطائف: ابن مسعود...اسمه عروة بن مسعود...

وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المغيرة، ومن أهل الطائف: كنانة بن عَبدِ بن عمرو...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جلّ ثناؤه، مخبرا عن هؤلاء المشركين "وَقالُوا لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنَ على رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ "إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء، ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عُنُوا منهم في كتابه، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والاختلاف فيه موجود على ما بيّنت.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{لولا نُزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} ظنوا أن من عظُم قدره ومنزلته عند الخلق بما وُسّع عليه، وأُعطي من الأموال، هو عند الله كذلك. قالوا لو كان ما يقول محمد حقا: إن هذا القرآن إنما أُنزل من عند الله هلاّ أُنزل على رجل من القريتين عظيم؟

فأخبر عز وجل أنه لم يوسّع الدنيا على من وسّع لفضل منزلته وقدره عنده،

وضيّق على من ضيق لهوان له عنده. لكن رُبّ مضيق عليه مكرّم عظيم عند الله، وربّ مُوسّع عليه يكون مهانا عنده.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

من الكبر والتعزز، كان حسدا أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قالوا: كيف يتقدم علينا غلام يتيم، وكيف نطأطئ رؤوسنا؟ فقالوا: {لولا نزلا هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم} أي كان لا يثقل علينا أن نتواضع له ونتبعه إذا كان عظيما...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وإنما قصدوا إلى من عَظُم ذكره بالسِّن والقِدَم؛ وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان حينئذ أعظم من هؤلاء، لكن لمَّا عظُم أولئك قبل مدّة النبي صلى الله عليه وسلم وفي صباه استمرّ ذلك لهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أخبر عن طعنهم في القرآن أتبعه الإخبار عن طعنهم فيمن جاء به تغطية لأمره عملاً بأخبارهم في ختام ما قبلها عن أنفسهم بالكفر، زيادة وإمعاناً فيما كانت النعم أدتهم إليه من البطر فقال: {وقالوا} لما قهرهم ما ذكروا به مما يعرفونه من أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام من النبوة والرسالة، وكذا من بعده من أولاده فلم يتهيأ لهم الإصرار على العناد بإنكار أن يكون النبي من البشر قول من له أمر عظيم في التصرف في الكون والتحكم على الملك الذي لا يسأل عما يفعل، فأنكروا التخصيص بما أتوا به من التخصيص في قولهم: {لولا} أي هل لا ولولا. ولما كان إنزال القرآن نجوماً على حسب التدريج، عبروا بما يوافق ذلك فقالوا: {نزل} أي من المنزل الذي ذكره محمد صلى الله عليه وسلم وعينوا مرادهم ونفوا اللبس فقالوا بقسر وغلظة كلمة على من يطلبهم لإصلاح حالهم {هذا القرآن} أي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وادعى أنه جامع لكل خير، ففيه إشارة إلى التحقير {على رجل من القريتين} أي مكة والطائف، ولم يقل: إحدى -اغتناء عنها بوحدة رجل {عظيم} أي بما به عندهم من العظمة والجاه والمال والسن ونحو ذلك وهم عالمون أن نشأنا الملك إنما هو إرسال من يرتضونه لا من يقترحه الرعية، ويعلمون أن للملك المرسل له صلى الله عليه وسلم الغنى المطلق لكنهم جهلوا- مع أنه هو الذي أفاض المال والجاه -أنه ندب إلى الزهد فيهما والتخلي عنهما، وأنه لا يقرب إليه إلا إخلاص الإقبال عليه الناشئ عن طهارة الروح وذكاء الأخلاق وكمال الشمائل والتحلي بسائر الفضائل والتخلي عن جميع الرذائل، فقد جعلوا لإفراطهم في الجهل الحالة البهيمية شرطاً للوصول إلى الحالة الملكية المضادة لها بكل اعتبار.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

زعمُوا من أنَّ الرسالةَ منصبٌ جليلٌ لا يليقُ بهِ إلا مَنْ له جلالةٌ من حيثُ المالُ والجاهُ ولم يدرُوا أنَّها رتبةٌ روحانيةٌ لا يترقَّى إليَها إلا هممُ الخواصِّ المختصينَ بالنفوسِ الزكيةِ المؤيدينَ بالقوةِ القدسية المتجلينَ بالفضائلِ الأنسيةِ، وأما المتزخرفونَ بالزخارفِ الدنيويةِ المتمتعونَ بالحظوظِ فهُم من استحقاقِ تلكَ الرتبةِ بألفِ منزلٍ...

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

جهلوا أن الرسالة ليست بالمال والجاه، بل لصفاء النفس عن الرذائل...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يقصدون بالقريتين مكة والطائف. ولقد كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من ذؤابة قريش، ثم من ذؤابة بني هاشم. وهم في العلية من العرب. كما كان شخصه [صلى الله عليه وسلم] معروفاً بسمو الخلق في بيئته قبل بعثته. ولكنه لم يكن زعيم قبيلة، ولا رئيس عشيرة، في بيئة تعتز بمثل هذه القيم القبلية. وهذا ما قصد إليه المعترضون بقولهم: (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)!... ولكن القوم الذين غلب عليهم المتاع، والذين لم يدركوا طبيعة دعوة السماء، راحوا يعترضون ذلك الاعتراض...

والله أعلم حيث يجعل رسالته. ولقد اختار لها من يعلم أنه لها أهل. ولعله -سبحانه- لم يشأ أن يجعل لهذه الرسالة سنداً من خارج طبيعتها، ولا قوة من خارج حقيقتها؛ فاختار رجلاً ميزته الكبرى.. الخلق.. وهو من طبيعة هذه الدعوة.. وسمته البارزة.. التجرد.. وهو من حقيقة هذه الدعوة.. ولم يختره زعيم قبيلة، ولا رئيس عشيرة، ولا صاحب جاه، ولا صاحب ثراء. كي لا تلتبس قيمة واحدة من قيم هذه الأرض بهذه الدعوة النازلة من السماء ولكي لا تزدان هذه الدعوة بحلية من حلى هذه الأرض ليست من حقيقتها في شيء. ولكي لا يكون هناك مؤثر مصاحب لها خارج عن ذاتها المجردة. ولكي لا يدخلها طامع ولا يتنزه عنها متعفف...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وهذا إقرار منهم بأن القرآن حَقّ ولا اعتراضَ عليه، إنما اعتراضهم على شخص رسول الله، وأنه من أوسط الناس وليس عظيماً من عظمائهم، ولا سيداً من ساداتهم في القريتين أي: مكة والطائف. وقد كان في الطائف عروة بن مسعود الثقفي، وفي مكة الوليد بن المغيرة وغيرهم. فردَّ الله عليهم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ...}.