الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ لَيۡسَ بِي ضَلَٰلَةٞ وَلَٰكِنِّي رَسُولٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (61)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قال نوح لقومه مجيبا لهم: يا قوم لم آمركم بما أمرتكم به من إخلاص التوحيد لله وإفراده بالطاعة دون الأنداد والآلهة زوالاً مني عن محجة الحقّ، وضلالاً لسبيل الصواب، وما بي ما تظنون من الضلال، ولكني رسول إليكم من ربّ العالمين، بما أمرتكم به من إفراده بالطاعة والإقرار له بالوحدانية والبراءة من الأنداد والآلهة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قال يا قوم ليس بي ضلالة} أي لست أنا بضال؛ لأنه إذا نفى الضلال عنه نفى أن يكون ضالا، وهو حرف رفق ولين. وعلى ذلك أمر الأنبياء والرسل أن يعاملوا قومهم؛ لأن ذلك أنجع للقلوب، وإلى القبول أقرب...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

قوله: {لَيْسَ بِي ضَلاَلةٌ}: نسبوا نوحاً -عليه السلام- إلى الضلالة، فتولَّى إجابتهم بنفسه فقال: {يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ}، ونبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- نُسِبَ إليه فتولَّى الحق -سبحانه- الردَّ عنه فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2] فشتان بين مَنْ دافع عن نفسه، وبين مَنْ دَافَع عنه ونفى عنه ربُّهّ...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من ربّ العالمين) علّم الله -تعالى- الناس بذكر قوله حسن الجواب، حيث قال: «ليس بي ضلالة» ولم يقل: أنتم الضلال، كما جرت عادتنا...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: لم قال: {لَيْسَ بِي ضلالة} ولم يقل ضلال كما قالوا؟ قلت: الضلالة أخصّ من الضلال، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه، كأنه قال: ليس بي شيء من الضلال، كما لو قيل لك: ألك تمر، فقلت: ما لي تمرة. فإن قلت: كيف وقع قوله: {وَلَكِنّي رَسُولٌ} استدراكاً للانتفاء عن الضلالة؟ قلت: كونه رسولاً من الله مبلغاً رسالاته ناصحاً، في معنى كونه على الصراط المستقيم، فصحّ لذلك أن يكون استدراكاً للانتفاء عن الضلالة...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله لهم جواباً عن هذا {ليس بي ضلالة} مبالغة في حسن الأدب والإعراض عن الجفاء منهم، وتناول رفيق وسعة صدر حسبما يقتضيه خلق النبوة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما قذفوه بضلال مقيد بالوضوح، نفى الضلال المطلق الذي هو الأعم، وبنفيه ينتفي كل أخصيّاته بل نفي أقل شيء من الضلال، فقال تعالى مخبراً عنه {قال ياقوم} مجدداً لا ستعطافهم {ليس بي ضلالة} فنفى وحدة غير معينة، ولا يصدق ذلك إلا بنفي لكل فرد، فهو أنص من نفي المصدر، ولم يصف الملأ من قومه هنا بالذين كفروا ووصفهم بذلك في سورة هود، إما لأنها صفة ذم لم يقصد بها التقييد فلا يختل المعنى بإثباتها ولا نفيها، أو لأنهم أجابوه بذلك مرتين: إحداهما قبل أن يسلم أحد من أشرافهم، والثانية بعد أن أسلم بعضهم. ولما نفى ما رموه به على هذا الوجه البليغ، أثبت له ضده بأشرف ما يكون من صفات الخلق، فقال مستدركاً -بعد نفي الضلال- إثبات ملزوم ضده: {ولكني رسول} أي إليكم بما أمرتكم به فأنا على أقوم طريق {من رب العالمين} أي المحسن إليهم بإرسال الرسل لهدايتهم بإنقاذهم من الضلال، فرد الأمر عليهم 96 بألطف إشارة.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين} أي لست بمنجاة من الضلال الذي أنتم فيه فقط بل أنا رسول من رب العالمين إليكم ليهديكم باتباعي سبيل الرشاد، وينقذكم على يدي من الهلاك الأبدي بالشرك وما يلزمه من الخرافات والمعاصي المدنسة للأنفس المفسدة للأرواح. والقدوة في الهدى، لا يمكن أن يكون ضالا فيما به أتى، ومن آثار رحمة الربوبية أن لا يدعكم على شرككم الذي ابتدعتموه بجهلكم، حتى يتبين لكم الحق من الباطل. ثم بين موضوع الرسالة بأسلوب الاستئناف الذي يقتضيه المقام وهو ما تتوجه إليه الأنفس من السؤال عما جاء به بدعواه من عند الله. فقال: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي}.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

قال القاضي عبد الجبار:"وهذه الجملة يعرف بها رفق الأنبياء وحسن دعائهم إلى الدين، وفيها إذا تأملها المرء ما يعتبر به ويعرف آداب الأنبياء صلى الله عليهم وسلم في الدعاء إلى الدين، وصبرهم على ما نالهم من الأمم، فيقتدي بهم"...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي من سيد العالمين ومن متولي تربية العالمين، ومن يتولى التربية لا يُنزل منهجا يضل به من يربيهم، بل ينزل منهجا ليصلح من يربيهم، وسبحانه قبل أن يأتي بهم إلى الوجود سخر لهم كل هذا الكون، وأمدهم بالأرزاق حتى الكافرين منهم، ومن يعمل كل ذلك لن يرسل لهم من يضلهم...