الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يُبَصَّرُونَهُمۡۚ يَوَدُّ ٱلۡمُجۡرِمُ لَوۡ يَفۡتَدِي مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِئِذِۭ بِبَنِيهِ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يبصرونهم} يقول: يعرفونهم ولا يكلمونهم، وذلك قوله: فهم لا يتساءلون {خاشعة أبصارهم} [القلم:43] خافضة أبصارهم ذليلة عند معاينة النار {يود المجرم} يعني الكافر {لو يفتدى من عذاب يومئذ} يوم القيامة {ببنيه}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله: "يُبَصّرُونَهُمْ " اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله "يُبَصّرُونَهُمْ":

فقال بعضهم: عُنى بذلك الأقرباء أنهم يعرّفون أقربائهم، ويعرّف كلّ إنسان قريبه، فذلك تبصير الله إياهم.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك المؤمنون أنهم يبصرون الكفار.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك الكفار الذين كانوا أتباعا لآخرين في الدنيا على الكفر، أنهم يعرفون المتبوعين في النار.

وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: معنى ذلك: ولا يسأل حميم حميما عن شأنه، ولكنهم يبصرونهم فيعرفونهم، ثم يفرّ بعضهم من بعض، كما قال جلّ ثناؤه: "يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلّ أمرئ منهم يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ"، وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب، لأن ذلك أشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن قوله: "يُبَصّرُونَهُمْ" تلا قوله: "وَلا يَسألُ حَميمٌ حَميما" فلأن تكون الهاء والميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

معناه أن يبصروا ما سبق منهم من الذنوب والأجرام، فيعرفونها، وتصير لهم حاضرة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقال ابن زيد: يبصر الكفار من أضلهم في النار عبرة وانتقاماً عليهم وخزياً لهم.

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

قوله تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ} يعني: يتمنى المشرك لو قُبل منه الفداء.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان عدم السؤال قد يكون لعدم رؤية بعضهم بعضاً لكثرة الجمع وشدة الزحام وتفرق الناس فيه على حسب مراتب أعمالهم، استأنف الجواب لمن كأنه يقول: لعل ذلك يترك لعدم رؤيتهم لهم؟ فقال دالاً بالمجهول والتفعيل على عظمة ذلك التبصير وخروجه عن العادة جامعاً لأن المقصود من الحميم الجنس والجمع أدل على عموم التبصير، وكان حكمة ذلك أنه أدل على تقطع الأسباب فلا يسأل أحد منهم الآخر عن شيء من أمره لاشتغال كل بنفسه، فعدم السؤال لا للخفاء بل للاشتغال وهم كل إنسان بما عنده.

{يبصرونهم} أي يبصرهم مبصر فلا يخفى أحد على أحد وإن بعد مكانه ويفر كل من الآخر لشغله بنفسه، ولما تناهى الإخبار بعظمة ذلك اليوم إلى حد لا تحتمله القلوب، ذكر نتيجة ذلك فقال مستأنفاً: {يود} أي يتمنى ويشتهي {المجرم} أي هذا النوع سواء كان كافراً أو مسلماً عاصياً علم أنه يعذب بعصيانه، وقيد به لأن المسلم الطائع يشفع فيمن أذن له فيه ولا يهمه شيء من ذلك، ودل على أن هذه الودادة مجرد تمن بقوله: {لو يفتدي} أي نفسه {من عذاب يومئذ} أي يوم إذ كانت هذه المخاوف بأعلق الناس بقلبه وأقربهم منه فضلاً عن أن يسأل عن أحواله. ولما كان السياق للافتداء، بدأ بأعزهم في ذلك بخلاف ما يأتي في عبس فقال: {ببنيه} لشدة ما يرى.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وإنهم ليعرضون بعضهم على بعض (يبصرونهم) كأنما عمدا وقصدا! ولكن لكل منهم همه، ولكل ضمير منهم شغله. فلا يهجس في خاطر صديق أن يسأل صديقه عن حاله، ولا أن يسأله عونه. فالكرب يلف الجميع، والهول يغشى الجميع.. فما بال (المجرم)؟ إن الهول ليأخذ بحسه، وإن الرعب ليذهب بنفسه، وإنه ليود لو يفتدي من عذاب يومئذ بأعز الناس عليه، ممن كان يفتديهم بنفسه في الحياة، ويناضل عنهم، ويعيش لهم.. ببنيه. وزوجه. وأخيه، وعشيرته القريبة التي تؤويه وتحميه. بل إن لهفته على النجاة لتفقده الشعور بغيره على الإطلاق، فيود لو يفتدي بمن في الأرض جميعا ثم ينجيه.. وهي صورة للهفة الطاغية والفزع المذهل والرغبة الجامحة في الإفلات! صورة مبطنة بالهول، مغمورة بالكرب، موشاة بالفزع، ترتسم من خلال التعبير القرآني الموحي.