الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ثُمَّ إِنِّيٓ أَعۡلَنتُ لَهُمۡ وَأَسۡرَرۡتُ لَهُمۡ إِسۡرَارٗا} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ثم إني أعلنت لهم} يعني صحت إليهم علانية.

{وأسررت لهم} في بيوتهم {إسرارا}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"ثُمّ إنّي أعْلَنْتُ لَهُمْ": صرخت لهم، وصحت بالذي أمرتني به من الإنذار.

"وأسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارا": وأسررت لهم ذلك فيما بيني وبينهم في خفاء.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 8]

{ثم إني دعوتهم جهارا} {ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا} ففي هذا إخبار أنه دعاهم إلى عبادته عز وجل في كل وقت، تهيأ له من ليل أو نهار، ولم يقصر فيها، ودعاهم في كل وقت رجاء الإجابة منهم.

ويحتمل: {ثم إني دعوتهم جهارا} أي إذا بعدوا مني، وازدحموا، وكثروا، فدعاهم جهارا، ليعلمهم الدعوة.

وقوله تعالى: {ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا} إذا قربوا منه، وقلوا. فلما أدخلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، أعلن في الدعاء. ثم جائز أن يكون الجهر والإسرار منصرفا إلى الدعوة، ويكون الجهر والإسرار بالحجج وإظهار البينات، وإلى هذا يذهب أبو بكر الأصم.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

دعا بعضهم سراً وبعضهم جهراً، وكل هذا من نوح مبالغة في الدعاء وتلطفاً في الاستدعاء.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 8]

فإن قلت: ذكر أنه دعاهم ليلا ونهاراً، ثم دعاهم جهاراً، ثم دعاهم في السر والعلن؛ فيجب أن تكون ثلاث دعوات مختلفات حتى يصح العطف. قلت: قد فعل عليه الصلاة والسلام كما يفعل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: في الابتداء بالأهون والترقي في الأشد فالأشد، فافتتح بالمناصحة في السر، فلما لم يقبلوا ثنى بالمجاهرة، فلما لم تؤثر ثلث بالجمع بين الإسرار والإعلان. ومعنى {ثُمَّ} الدلالة على تباعد الأحوال، لأن الجهار أغلظ من الإسرار؛ والجمع بين الأمرين، أغلظ من إفراد أحدهما.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وهذا غاية الجد.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

. وقيل: "أسررت لهم " أتيتهم في منازلهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان الجهر قد لا يشيع ولا ينشر في جماعاتهم، قال مشيراً إلى أنه أذاع ذلك، وأكد للإشارة إلى ما فيه من الشدة فقال: {ثم إني أعلنت} أي أظهرت وأشعت وشهرت ليعلموا أنه الحق من ربهم لكوني لست مستحيياً منه ولا مستهجناً له

{لهم} أي خصصتهم بذلك، لم يكن فيه حظ نفس بوجه فإني كررت ذلك عليهم بعد أن سقط الوجوب عني، ولما قدم الجهر لأنه أقرب إلى عدم الاتهام، وكان السر أجدر بمعرفة الضمائر وأقرب إلى الاستمالة، أتبعه به فقال: {وأسررت لهم} أي دعوت كل واحد منهم على انفراده ليكون أدعى له وأجدر بقبوله النصيحة، وأدل على الإخلاص، وكل ذلك ما فعلته إلا لأجل نصيحتهم، لا حظ لي أنا في ذلك، ولما كان تحين الإنسان ليكون وحده ليس عنده أحد ولا هو مشتغل بصارف مما يعسر جداً فلا يكاد يصدق أكده فقال: {إسراراً} وليدل بتأكيده على تأكيد ما قبله من الأفعال.

والظاهر من حاله ومن هذا الترتيب مما صرح به من الاجتهاد أنه سار فيه على مقتضى الحكمة، فدعا أولاً أقرب الناس إليه وأشدهم به إلفاً، ثم انتقل إلى من بعدهم حتى عمهم الدعاء، وكانت هذه الدعوة سراً كل واحد منهم على حدته ليعلموا نصحه ولا يحمل أحد منهم ذلك على تبكيت ولا تقريع، فلا يكون في دعائه ما يكون سببا لأنفة أحد منهم، فلما أطبقوا على الإعراض جهر ليعلموا أنه ملجأ من الله إلى ذلك، وأنها عزمة إن قصروا فيها عن الإجابة عوقبوا، فلما أصروا جمع بين السر والعلن، فلما تمادوا وطال الأذى شكى، وعلى هذا فثم لبعد الرتب لا للترتيب في الزمان، ويمكن كونها للترتيب لأن الجهر أبعد عن الاتهام ثم الإعلان بعده أزيد بعداً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 8]

ومع الدأب على الدعوة، وتحين كل فرصة، والإصرار على المواجهة.. اتبع نوح -عليه السلام- كل الأساليب فجهر بالدعوة تارة، ثم زاوج بين الإعلان والإسرار تارة: (ثم إني دعوتهم جهارا، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا)..

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

من المعلوم أنّ الإنسان إذا ما نهج طريق الباطل إلى حدّ تتعمق في وجوده جذور الفساد وتنفذ في أعماق وجوده حتى تتحول إلى طبيعة ثانية فيه، فإنّه سوف لا تؤثر فيه دعوة الصالحين ولا ينفع معه خطابات رسل اللّه.

ملاحظتان:

ـ أُسلوب الإبلاغ ومنهجه ما جاء في هذا الآيات حول دعوة نوح يمثل برنامجا عاما لجميع المبلغين في طريق اللّه، وفي نفس الوقت تسلية النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه المؤمنين القلائل الذين كانوا قد التفوا حوله في مكّة. إنّه (عليه السلام) لم يكن يتوقع أن يستجيب الناس لدعوته، ولم يكونوا يجتمعون في وسط المدينة ليلقي فيهم خطابه الإلهي بهدوء واطمئنان، والناس يصغون إليه، ويشخصون إليه أعينهم، بل يستفاد من سياق الآيات كما جاء أيضاً في بعض الرّوايات أنّه كان أحياناً يذهب إلى بيوتهم، أو أنّه يدعوهم في الأزقة والأسواق على انفراد، ويبلغهم المفاهيم ويتحدّث إليهم بتودد وتحبب وتصبر، وأحياناً كان يخاطبهم بأوامر اللّه تعالى علناً وبصوت عال، وذلك باغتنامه فرص انعقاد المحافل أو مجالس العزاء، فكان يقابل بالإهانة والاستهزاء وأحياناً بالضرب المبرح، ولكنّه مع ذلك كان لا ينتهي عن ذلك ويواصل مسيره. كان صبره عجيباً، والأعجب ما فيه رأفته، وكانت همته واستقامته الفريدة رأس ماله في السير في طريق الدعوة إلى دين الحق. والأعجب من ذلك هو أنّ طيلة دعوته التي دامت 950 عاماً لم يؤمن به إلاّ ثمانون شخصاً، ولو قسمنا هذه المدّة على عدد الأنفار يتّضح لنا أنّ مدّة هدايته لكل فرد دامت اثنتي عشرة سنة تقريباً!! لو كان المبلّغون يتعاملون بمثل هذه الاستقامة والهمة لأصبح الإسلام عالمياً غني المحتوى.

ـ لماذا الفرار من الحقيقة؟ يتعجب الإنسان أحياناً ويتساءل هل يمكن أن يكون هناك أُناس يعيشون تحت هذه السماء ليس لديهم الاستعداد لسماع كلمة الحق بل يفرون منه؟ والسؤال عن السماع فقط وليس عن قبول الكلمة. ولكن التاريخ يتحدّث عن كثرة أمثال هؤلاء، ليس فقط قوم نوح هم الذين وضعوا أصابعهم في آذانهم وغشوا رؤوسهم ووجوههم بثيابهم عند دعوته لهم، بل هناك فئة في عصر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبصريح القرآن كانوا يستعينون بالصفير والتهريج والصراخ العالي ليحولوا بين صوت النّبي وهو يتلو آيات اللّه وبين الناس: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون).