الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأنا ظننا} يعني حسبنا.

{أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} بأن معه شريكا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجنّ على الله كذبا من القول، والظنّ ههنا بمعنى الشكّ، وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجنّ أن تكون علمت أن أحدا يجترئ على الكذب على الله لما سمعت القرآن، لأنهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب الله الزاعمين أن لله صاحبة وولدا، وغير ذلك من معاني الكفر، كانوا يحسبون أن إبليس صادق فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف الكفر، فلما سمعوا القرآن، أيقنوا أنه كان كاذبا في كلّ ذلك، فلذلك قالوا:"وأنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا على اللّهِ شَطَطا "فسموه سفيها.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وكان في ظننا أنّ أحداً من الثقلين لن يكذب على الله ولن يفتري عليه ما ليس بحق، فكنا نصدّقهم فيما أضافوا إليه من ذلك، حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم وافتراؤهم {كَذِبًا} قولاً كذباً، أي: مكذوباً فيه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

معنى الآية: أنا إنما أخذنا قول الغير لأنا ظننا أنه لا يقال الكذب على الله، فلما سمعنا القرآن، علمنا أنهم قد يكذبون، وهذا منهم إقرار بأنهم إنما وقعوا في تلك الجهالات بسبب التقليد، وأنهم إنما تخلصوا عن تلك الظلمات ببركة الاستدلال والاحتجاج.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكروا ما هدوا إليه من الحق في الله وفي من كان يحملهم على الباطل، ذكروا عذرهم في اتباعهم للسفيه وفي وقوعهم في مواقع التهم، فقالوا مؤكدين لأن ما كانوا عليه من الكفر جدير بأن يظن أنه لا يخفى على أحد لشدة وضوح بطلانه: {وأنا} أي معشر المسلمين من الجن {ظننا} أي بما لنا من سلامة الفطر المقتضية لتحسين الظن {أن} أي أنه، وزادوا في التأكيد لما مضى فقالوا: {لن تقول} وبدأوا بأفضل الجنسين فقالوا: {الإنس} وأتبعوهم قرناءهم فقالوا: {والجن} أي متخرصين {على الله} أي الملك الأعلى الذي بيده النفع والضر {كذباً} أي قولاً هو لعراقته في مخالفة الواقع نفس الكذب، وهو في قراءة أبي جعفر بفتح القاف والواو المشددة المفتوحة مصدر من غير اللفظ، وإنما ظننا ذلك لما طبع عليه المجبول على الشهوات من تصديق الأشكال لا سيما إذا كان قولهم جازماً وعظيماً لا يقال مثله إلا بعد تثبت لا سيما إذا كان على ملك الملوك لا سيما إذا كان القائل كثيراً لا سيما إذا تأيدوا بجنس آخر، فصاروا لا يحصون كثرة، ولا تطيق العقول مخالفة جمع بهذه الصفة إلا بتأييد إلهي بقاطع نقلي، والآية على قراءة أبي جعفر من الاحتباك: فعل التقول أولاً دليل على فعل الكذب ثانياً، ومصدر الكذب ثانياً دليل على مصدر التقول أولاً، وسره أن التقول دال على التعمد فهو أفحش معنى والكذب أفحش لفظاً، وهذا مرشد إلى أنه لا ينبغي التقليد في شيء لأن الثقة بكل أحد عجز، وإنما ينكشف ذلك بالتجربة، والتقليد قد يجر إلى الكفر المهلك هلاكاً أبدياً، وإليه أرشد النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن النعمان بن بشير رضي الله عنه بأن "من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه " وفي ذلك غاية الحث على أن الإنسان لا يقدم ولا يحجم في أصول الدين إلا بقاطع.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 4]

(وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا، وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا)..

وهذه مراجعة من الجن لما كانوا يسمعون من سفهائهم من الشرك بالله، وادعاء الصاحبة والولد والشريك، بعدما تبين لهم من سماع القرآن أنه لم يكن حقا ولا صوابا، وأن قائليه إذن سفهاء فيهم خرق وجهل، وهم يعللون تصديقهم لهؤلاء السفهاء من قبل بأنهم كانوا لا يتصورون أن أحدا يمكن أن يكذب على الله من الإنس أو الجن. فهم يستعظمون ويستهولون أن يجرؤ أحد على الكذب على الله. فلما قال لهم سفهاؤهم: إن لله صاحبة وولدا، وإن له شريكا صدقوهم، لأنهم لم يتصوروا أنهم يكذبون على الله أبدا.. وهذا الشعور من هؤلاء النفر بنكارة الكذب على الله، هو الذي أهلهم للإيمان. فهو دلالة على أن قلوبهم نظيفة مستقيمة؛ إنما جاءها الضلال من الغرارة والبراءة! فلما مسها الحق انتفضت، وأدركت، وتذوقت وعرفت. وكان منهم هذا الهتاف المدوي: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به، ولن نشرك بربنا أحدا. وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا..

وهذه الانتفاضة من مس الحق، جديرة بأن تنبه قلوبا كثيرة مخدوعة في كبراء قريش، وزعمهم أن لله شركاء أو صاحبة وولدا. وأن تثير في هذه القلوب الحذر واليقظة، والبحث عن الحقيقة فيما يقوله محمد [صلى الله عليه وسلم] وما يقوله كبراء قريش، وأن تزلزل الثقة العمياء في مقالات السفهاء من الكبراء! وقد كان هذا كله مقصودا بذكر هذه الحقيقة. وكان جولة من المعركة الطويلة بين القرآن وبين قريش العصية المعاندة؛ وحلقة من حلقات العلاج البطيء لعقابيل الجاهلية وتصوراتها في تلك القلوب. التي كان الكثير منها غرا بريئا، ولكنه مضلل مقود بالوهم والخرافة وأضاليل المضللين من القادة الجاهليين!