الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن يُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخۡسٗا وَلَا رَهَقٗا} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأنا لما سمعنا الهدى} يعني القرآن.

{آمنا به}: صدقنا به أنه من الله تعالى.

{فمن يؤمن بربه} فمن يصدق بتوحيد الله عز وجل.

{فلا يخاف} في الآخرة.

{بخسا}: لن ينقص من حسناته شيئا،

{ولا} يخاف {رهقا} يقول: لا يخاف أن يظلم حسناته كلها حتى يجازى بعمله السيئ كله.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدَى آمَنّا بِهِ": قالوا: وأنا لما سمعنا القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم صدّقنا به، وأقررنا أنه حق من عند الله.

"فمن يؤمن بربه فَلا يَخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا": فمن يصدّق بربه "فلا يخاف بخسا": لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها. "ولا رَهَقا": ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره... عن ابن عباس، قوله "فَلا يَخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا" يقول: ولا يخاف أن يبخس من عمله شيء.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{فمن يؤمن بربّه فلا يخافُ بخساً ولا رَهقاً} قال ابن عباس: لا يخاف نقصاً في حسناته، ولا زيادة في سيئاته، لأن البخس النقصان، والرهق: العدوان.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... {بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} أي جزاء بخس ولا رهق، لأنه لم يبخس أحداً حقاً ولا رهق ظلم أحد فلا يخاف جزاءهما. وفيه دلالة على أن من حق من آمن باللَّه أن يجتنب المظالم. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: « المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم» ويجوز أن يراد: فلا يخاف أن يبخس بل يجزى الجزاء الأوفى، ولا أن ترهقه ذلة، من قوله عز وجل: {ترهقهم ذلة} [القلم: 43].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان الظانّ قد يبادر على العمل بموجب ظنه وقد لا، بينوا أن مرادهم به العلم، وأنهم بادروا إلى العمل بما دعا إليه، فقالوا مؤكدين لما للجن من الإباء والعسر: {وإنا لما سمعنا} أي من النبي صلى الله عليه وسلم {الهدى} أي القرآن الذي له من العراقة التامة في صفة البيان والدعاء إلى الخير ما سوغ أن يطلق عليه نفس الهدى: {آمنا به} أي من غير وقفة أصلاً عملاً بما له من هذا الوصف العظيم.

ولما كان التقدير: فآمنا بسبب إيماننا الذي قادنا إليه حفظ السماء من الإيقاع بنا لتمام قدرته علينا الذي هدانا إليه منعنا من الاستماع بالحراسة، سببوا عن ذلك قولهم معترفين بالعجز عن مقاومة التهديد من الملك طالبين التحصن بتحصينه والاعتصام بحبله: {فمن يؤمن} أي يوجد حقيقة الإيمان ويستمر على تجديدها كل لحظة.

ولما فهموا أن دعاءه إليه وبيانه للطريق مع قدرته التامة إنما هو من عموم لطفه ورحمته، ذكروا وصف الإحسان لزيادة الترغيب فقالوا: {بربه} أي المحسن إليه منا ومن غيرنا.

ولما كان المؤمن هو المختص من بين الخلق بالنجاة، أدخل الفاء على الجواب ورفعه على تقدير مبتدأ دلالة على ذلك وعلى أن نجاتهم ما لا بد منه فقال: {فلا} أي فهو خاصة لا {يخاف} أصلاً {بخساً} أي نقصاً وقلة وخبثاً ونكداً في الثواب والإكرام بوجه من الوجوه {ولا رهقاً} أي مكروهاً يلحقه فيقهره لأنه لم يفعل مع أحد شيئاً من ذلك ليجازى عليه، فهذا حث للمؤمن على اجتناب ذلك لئلا يجازى به، وقد هدى السياق إلى تقدير: ومن يشرك به فلا، يأمن محقاً ولا صعقاً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يصفون حالهم عندما سمعوا الهدى، وقد قرروه من قبل، ولكنهم يكررونه هنا بمناسبة الحديث عن فرقهم وطوائفهم تجاه الإيمان: (وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به).. كما ينبغي لكل من يسمع الهدى. وهم سمعوا القرآن. ولكنهم يسمونه هدى كما هي حقيقته ونتيجته. ثم يقررون ثقتهم في ربهم، وهي ثقة المؤمن في مولاه: (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا).. وهي ثقة المطمئن إلى عدل الله، وإلى قدرته، ثم إلى طبيعة الإيمان وحقيقته.. فالله -سبحانه- عادل، ولن يبخس المؤمن حقه، ولن يرهقه بما فوق طاقته. والله -سبحانه- قادر. فسيحمي عبده المؤمن من البخس وهو نقص الاستحقاق إطلاقا، ومن الرهق وهو الجهد والمشقة فوق الطاقة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

بعد أن ذكروا قومهم بعذاب الله في الدنيا أو اطمأنوا بتذكُّر ذلك في نفوسهم، عادوا إلى ترغيبهم في الإِيمان بالله وحده، وتحذيرهم من الكفر بطريق المفهوم. وأريد بالهدى القرآن إذ هو المسموع لهم ووصفوه بالهدى للمبالغة في أنه هاد. ومعنى {يؤمن بربه،} أي بوجوده وانفراده بالإِلهية كما يشعر به إحضار اسمه بعنوان الرب إذ الرب هو الخالق فما لا يخلق لا يعبد.