الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{۞إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (22)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن شرّ ما دبّ على الأرض من خلق الله عند الله الذين يصغون عن الحق لئلا يستمعوه فيعتبروا به ويتعظوا به، وينكصون عنه إن نطقوا به، الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه، فيستعملوا بهما أبدانهم...

عني بهذه الآية مشركو قريش، لأنها في سياق الخبر عنهم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

دواعي الحق بحسن البيان ناطقة، وألسنة البرهان فيما ورد به التكليف صادقة، وخواطر الغيب بكشف ظُلَمِ الريْبِ مُفْصِحة، وزواجر التحقيق عن متابعة التمويه للقلوب ملازمة. فَمنْ صُمَّ عن إدراك ما خوطب به سرُّه، وعمِيَ عن شهود ما كوشف به قلبه، وخَرِسَ -عن إجابة ما أُرْشِدَ إليه من حجة- فَهْمُه وعقله فَدُونَ رُتْبةِ البهائم قدْرُه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ثم قال: {إِنَّ شَرَّ الدواب} أي إن شر من يدب على وجه الأرض. أو إنّ شر البهائم الذين هم صمّ عن الحق لا يعقلونه، جعلهم من جنس البهائم، ثم جعلهم شرّها.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

المقصود بهذه الآية أن يبين أن هذه الصنيفة العاتية من الكفار هي شر الناس عند الله عز وجل، وأنها أخس المنازل لديه، عبر ب {الدواب} ليتأكد ذمهم وليفضل عليهم الكلب العقور والخنزير ونحوهما من السبع... وقوله {الصم البكم} عبارة عما في قلوبهم وقلة انشراح صدورهم وإدراك عقولهم، فلذلك وصفهم بالصم والبكم وسلب العقل، وروي أن هذه الآية نزلت في طائفة من بني الدار وظاهرها العموم فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بهذه الأوصاف...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قيل: شبههم بالدواب لجهلهم وعدولهم عن الانتفاع بما يقولون ويقال لهم، ولذلك وصفهم بالصم والبكم وبأنهم لا يعقلون.

وقيل: بل هم من الدواب لأنه اسم لما دب على الأرض ولم يذكره في معرض التشبيه، بل وصفهم بصفة تليق بهم على طريقة الذم، كما يقال لمن لا يفهم الكلام، هو شبح وجسد وطلل على جهة الذم...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

...

. والمعنى إن شر ما يدب على الأرض في حكم الله الحق هم الأشرار من البشر "الصم "الذين لا يلقون السمع لمعرفة الحق والاعتبار بالموعظة الحسنة فكانوا بفقد منفعة السمع كالذين فقدوا حاسته، "البكم" الذين لا يقولون الحق، كأنهم فقدوا قوة النطق، "الذين لا يعقلون" أي فقدوا فضيلة العقل الذي يميز بين الحق والباطل، ويفرق بين الخير والشر، إذ لو عقلوا لطلبوا، ولو طلبوا سمعوا وميزوا، ولو سمعوا لنطقوا وبينوا، وتذكروا وذكروا، كما قال تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق: 37] فهم لفقدهم منفعة العقل والسمع والنطق كالفاقدين لهذه المشاعر والقوى، بأن خلقوا خداجا أو طرأت عليهم آفات ذهبت بمشاعرهم الظاهرة والباطنة، بل هم شر من هؤلاء لأن هذه المشاعر والقوى خلقت لهم فأفسدوها لعدم استعمالها فيما خلقها الله تعالى لأجله في سن التمييز ثم التكليف..

وإذا أردت فهم الآية فهما تفصيليا فارجع إلى تفسيرنا لقوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} [الأعراف: 179] ولم يصفهم هنا بالعمى كما وصفهم في آية الأعراف وآيتي البقرة لأن المقام هنا مقام التعريض بالذين ردّوا دعوة الإسلام، ولم يهتدوا بسماع آيات القرآن...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

يقول تعالى:"إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ" من لم تفد فيهم الآيات والنذر، وهم "الصُّمُّ "عن استماع الحق "الْبُكْمُ" عن النطق به. "الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ" ما ينفعهم، ويؤثرونه على ما يضرهم، فهؤلاء شر عند اللّه من جميع الدواب، لأن اللّه أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة، ليستعملوها في طاعة اللّه، فاستعملوها في معاصيه وعدموا -بذلك- الخير الكثير، فإنهم كانوا بصدد أن يكونوا من خيار البرية. فأبوا هذا الطريق، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية، والسمع الذي نفاه اللّه عنهم، سمع المعنى المؤثر في القلب، وأما سمع الحجة، فقد قامت حجة اللّه تعالى عليهم بما سمعوه من آياته، وإنما لم يسمعهم السماع النافع، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{عند الله} قيد أريد به زيادة تحقيق كونهم، أشر الدواب بأن ذلك مقرر في علم الله، وليس مجرد اصطلاح ادعائي، أي هذه هي الحقيقة في تفاضل الأنواع لا في تسامح العرف والاصطلاح، فالعُرف يُعد الإنسان أكمل من البهائم، والحقيقة تفصل حالات الإنسان فالإنسان المنتفع بمواهبه فيما يُبلغه إلى الكمال هو بحق أفضل من العُجم، والإنسان الذي دَلّى بنفسه إلى حَضيض تعطيل انتفاعه بمواهبه السامية يصير أحط من العجماوات. والمشبهون بالصم البكم هم الذين قالوا {سمعنا وهم لا يسمعون}، شبهوا بالصم في عدم الانتفاع بما سمعوا لأنه مما يكفي سماعه في قبوله والعمل به وشبهوا بالبكم في انقطاع الحجة والعجز عن رد ما جاءهم به القرآن فهمُ ما قبلوا ولا أظهروا عذراً عن عدم قبوله. ولما وصفهم بانتهاء قبول المعقولات والعجز عن النطق بالحجة أتبعه بانتفاء العقل عنهم أي عقل النظر والتأمل بله عقل التقبل، وقد وصف بهذه الأوصاف في القرآن كل من المشركين والمنافقين في مواضع كثيرة...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}. إنه يشبّههم بالدوابّ التي لا تسمع ولا تتكلّم ولا تعقل، لأن قيمة السمع والنطق والعقل، هو في تحريكها بما ينفع حياة الإنسان، وينقذ مصيره من الهلاك، فاذا أهمل كل ذلك، وجمّده عن السير في اتجاه المعرفة النافعة، كان كمن فقده بالأساس، وذلك هو الفرق بين الدواب والناس، في سلبيّة الدوابّ أمام قضية المعرفة من أجل الحياة، وإيجابية الناس أمام ذلك كله...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ولما كان القول بلا عمل، والاستماع بلا تأثر، أحد الأمراض التي تصاب بها المجتمعات، وأساس الكثير من التخلفات، فقد جاءت الآية الأُخرى لتؤكّد على هذه المسألة بأُسلوب آخر، فقالت: (إنّ شرّ الدّواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون). ولمّا كان القرآن كتاب عمل فإنّه ينظر إِلى النتائج دائماً، فيعتبر كل موجود لا فائدة فيه كالمعدوم، وكل حي عديم الحركة والتأثير كالميت، وكل حاسّة من حواس الإنسان مفقودة إذا لم تؤثر فيه تأثيراً ايجابياً في مسيرة الهداية والسعادة، وهذه الآية اعتبرت الذين لهم آذن سالمة لكنّهم لا يستمعون لآيات الله ودعوة الحق ونداء السعادة، كمن لا أذن له ولا سمع لديه، والذين لهم ألسنة سالمة لكنّها ساكتة عن الدعوة إِلى الحق ومكافحة الظلم والفساد، فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، بل يضيعون هذه النعمة في التملق والتذلل أمام الطواغيت أو تحريف الحق وتقوية الباطل، فهؤلاء كمن هو أبكم لا يقدر على الكلام، وكذلك الذين يتمتعون بنعمة الفكر والعقل ولكنّهم لا يصححون تفكيرهم، فهؤلاء في عداد المجانين...