جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{۞إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِندَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : إن شرّ ما دبّ على الأرض من خلق الله عند الله الذين يصغون عن الحق لئلا يستمعوه فيعتبروا به ويتعظوا به وينكصون عنه إن نطقوا به ، الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه ، فيستعملوا بهما أبدانهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ الله قال : الدوابّ : الخلق .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : وكانوا يقولون : إنا صمّ بكم عما يدعونا إليه محمد ، لا نسمعه منه ، ولا نجيبه به بتصديق . فقتلوا جميعا بأُحد ، وكانوا أصحاب اللواء .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الصمّ البكم : الذين لا يعقلون ، قال : الذين لا يتبعون الحقّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ البُكْمُ الّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وليس بالأصمّ في الدنيا ولا بالأبكم ، ولكن صمّ القلوب وبكمها وعميها . وقرأ : فإنّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التي فِي الصّدُورِ .

واختلف فيمن عني بهذه الاَية ، فقال بعضهم : عني بها نفر من المشركين . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال ابن عباس : الصمّ البكم الذين لا يعقلون : نفر من بني عبد الدار ، لا يتبعون الحقّ .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : الصّمّ البُكُمُ الّذِينَ لا يَعْقِلُونَ قال : لا يتبعون الحقّ . قال : قال ابن عباس : هم نفر من بني عبد الدار .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .

وقال آخرون : عني بها المنافقون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ البُكْمُ الّذين لا يَعْقِلُونَ : لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النعمة والسعة .

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال بقول ابن عباس ، وأنه عني بهذه الاَية مشركو قريش ، لأنها في سياق الخبر عنهم .