تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (22)

وقوله تعالى : ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) تأويله ، والله أعلم ، إن الذي هو شر الدواب عند الله هو [ الأصم الأبكم ][ في الأصل وم : الصم البكم ] لا ينتفع بسمعه ولا بلسانه[ في الأصل بلسانه ، في م : والبكم الذي لا ينتفع بلسانه ] ونطقه ، وهم[ في الأصل وم : لأنهم ] لم ينتفعوا بسمعهم لما جعل له السمع ولم ينتفعوا بنطقهم لما جعل له النطق ، ولم ينتفعوا بعقلهم لما جعل له العقل ؛ فهم شر الدواب كقوله : ( أولئك كالأنعام بل هم أضل )[ الأعراف : 179 ] وأشر ، لأن الدواب والأنعام انتفعت بهذه الحواس لما جعلت لها هذه الحواس عرفت بهذه الحواس المهالك والمضار ، فتوقتها[ في الأصل وم : فتوقت عنها ] ، وعرفت اللاذ والنافع بها ، فرغبت[ في الأصل وم : فترغب ] فيها ، فانتفعت[ أدرج قبلها في الأصل وم : ونفع ] الدواب بالحواس التي جعلت[ في الأصل وم : جعل ] لها لما جعلت ، ولم تجعل لا هذه الحواس إلا للمقدار الذي عرفت ، وفهمت ، وانتفعت .

وهؤلاء الكفرة لم ينتفعوال بالحواس التي جعلت لهم لما جعلت [ وإنما جعلت لهم ][ في الأصل : وإنما جعلت لهم ذلك ، في م : لهم ذلك ] ليعرفوا المنافع لهم اللاذ في العاقبة ، فيعملوا لذلك ، ويعرفوا الضار لهم في العاقبة والمهلك ، فيتوقوه ، فلم ينتفعوا بحواسهم لما جعلت الحواس ، والدواب انتفعت بها لذلك كانوا أضل وأشر .

وقوله تعالى : ( إن شر الدواب ) الذين اكتسبوا الصمم الدائم والعمى الدائم ، وذلك في الآخرة كقوله ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما )[ الإسراء : 97 ] وقوله : ( اخسؤا فيها ولا تكلمون )[ المؤمنون : 108 ] أي تركوا اكتساب البصر الدائم والسمع الدائم والحياة الدائمة .

والباقي سماهم صما وبكما وعميا لم يكتسبوا بصر القلب ونطق القلب [ وسمع القلب ][ من م ، ساقطة من الأصل ] فهذه هي الحواس التي تكون في الاكتساب ، ولم يكتسبوها ، إنما لهم الحواس الظاهرة ، أو يقول : ( إن شر الدواب ) التي لم ينتفع[ في الأصل وم : ينتفعوا ] بالذي ذكر من الحواس ، وتركب[ في الأصل وم : وتركوا ] استعمالها ، والله أعلم .