الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰنٖ وَجَنَّـٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ} (21)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: يبشر هؤلاء الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ربهم برحمة منه لهم أنه قد رحمهم من أن يعذبهم وبرضوان منه لهم، بأنه قد رضي عنهم بطاعتهم إياه وأدائهم ما كلفهم. "وجَنّاتٍ "يقول: وبساتين لهم فيها نعيم مقيم لا يزول ولا يبيد، ثابت دائم أبدا لهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل قوله:"يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ" أي بالنصر في الدنيا والظفر لهم على عدوهم... ويحتمل الثواب لهم في الآخرة والكرامة.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

في الآية إخبار من الله تعالى بالبشارة وإعلام للذين آمنوا وهاجروا برحمة من جهته تعالى، والبشرى والبشارة: الدلالة على ما يظهر به السرور في بشرة الوجه. وقوله:"لهم فيها نعيم مقيم" فالنعيم: لين العيش اللذيذ، وهو مشتق من النعمة وهي اللين، وأما النعمة بكسر النون، فهي منفعة يستحق بها الشكر لأنها كنعم العيش، والمقيم الدائم بخلاف الراحل، فكأنه قال: المقيم أبدا.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

... {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ} يُعَرِّفُهم أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تلك الدرجات بسعيهم وطاعتهم، ولكن برحمته -سبحانه- وصلوا إلى نعمته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما منكم من أحدٍ يُنَجِّيه عمله. قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إِلا أن يتغمدني الله برحمته".

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وقوله: {وجنات لهم} إشارة إلى حصول المنافع العظيمة وقوله: {فيها نعيم} إشارة إلى كون المنافع خالصة عن المكدرات لأن النعيم مبالغة في النعمة، ولا معنى للمبالغة في النعمة إلا خلوها عن ممازجة الكدورات وقوله: {مقيم} عبارة عن كونها دائمة غير منقطعة. ثم إنه تعالى عبر عن دوامها بثلاث عبارات: أولها: {مقيم}، وثانيها: قوله: {خالدين فيها}، وثالثها: قوله: {أبدا} فحصل من مجموع ما ذكرنا أنه تعالى يبشر هؤلاء المؤمنين المهاجرين المجاهدين بمنفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، وذلك هو حد الثواب. واعلم أن الفرح بالنعمة يقع على قسمين: أحدهما: أن يفرح بالنعمة لأنها نعمة. والثاني: أن يفرح بها لا من حيث هي بل من حيث إن المنعم خصه بها وشرفه.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

قوله تعالى:"يبشرهم ربهم" أي يعلمهم في الدنيا ما لهم في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم.

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :

{برحمة منه ورضوان} وهذا أعظم البشارات لأن الرحمة والرضوان من الله عز وجل على العبد نهاية مقصوده.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

... وأسند التبشير إلى قوله:"ربهم"، لما في ذلك من الإحسان إليهم بأن مالك أمرهم والناظر في مصالحهم هو الذي يبشرهم، فذلك على تحقيق عبوديتهم لربهم.

ولما كانت الأوصاف التي تحلوا بها وصاروا بها عبيده حقيقة هي ثلاثة: الإيمان، والهجرة، والجهاد بالمال والنفس، قوبلوا في التبشير بثلاثة: الرحمة، والرضوان، والجنات.

فبدأ بالرحمة لأنها الوصف الأعم الناشئ عنها تيسير الإيمان لهم، وثنى بالرضوان لأنه الغاية من إحسان الرب لعبده وهو مقابل الجهاد، إذ هو بذل النفس والمال، وقد على الجنات لأن رضا الله عن العبد أفضل من إسكانهم الجنة.

وفي الحديث الصحيح: « إن الله تعالى يقول: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا كيف لا نرضى وقد باعدتنا عن نارك وأدخلتنا جنتك، فيقول: لكم عندي أفضل من ذلك، فيقولون: وما أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضائي فلا أسخط عليكم بعدها».

وأتى ثالثاً بقوله: وجنات لهم فيها نعيم مقيم، أي دائم لا ينقطع، وهذا مقابل لقوله {وهاجروا} لأنهم تركوا أوطانهم التي نشأوا فيها وكانوا فيها منعمين، فآثروا الهجرة على دار الكفر إلى مستقر الإيمان والرسالة، فقوبلوا على ذلك بالجنات ذوات النعيم الدائم، فجاء الترتيب في أوصافهم على حسب الواقع: الإيمان، ثم الهجرة، ثم الجهاد.

وجاء الترتيب في المقابل على حسب الأعم، ثم الأشرف، ثم التكميل.

قال التبريزي: ونكر الرحمة والرضوان للتفخيم والتعظيم.

برحمة أي: رحمة لا يبلغها وصف واصف.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما بين أن جزاء أولئك الخلود في النار، بين ما لهؤلاء، فقال مفسراً لفوزهم: {يبشرهم ربهم} أي المحسن إليهم بهدايتهم واجتبائهم. وناهيك بهذه البشارة الدالة على علو مقامهم لأنها بلا واسطة، وكون البشارة على قدر المبشر دال أن هذه البشارة بشارة عظيمة لا نهاية لها ولا يحاط بمعرفة مقدارها {برحمة} أي عظيمة، وزادها عظماً بقوله: {منه} وذلك إشارة إلى أنه لا نجاة بدون العفو؛ ثم أخبر بأن الرحمة كما أثمرت العفو الذي هو أدنى المنازل أسعدت بأعلاها فقال: {ورضوان} أي بأن يكون راضياً عن الله للرضى بقضاء الله وذلك يكون إذا قصر نظره على الله فإنه لا يتغير أبداً بقضاء من أقضيته كما أن الله -الذي هو راحمه- لا يتغير، ومن كان نظره لطلب حظ له كان أبداً في تغير من الفرح إلى الحزن ومن السرور إلى الغم ومن الراحة إلى الجراحة ومن اللذة إلى الألم، فثبت أن الرحمة التامة لا تحصل إلا للراضي بقضاء الله ويكون الله راضياً عنه فتكون نفسه راضية مرضية، ولهذا لم يقيده ب "منه "وهذان في الدنيا والآخرة. {وجنّات} أي بساتين كثيرة الأشجار والثمار {لهم فيها نعيم} أي عظيم جداً خالص عن كدر ما، ودل على الخلود بقوله: {مقيم}

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ} جودا منه، وكرما وبرا بهم، واعتناء ومحبة لهم {بِرَحْمَةٍ مِنْهُ} أزال بها عنهم الشرور، وأوصل إليهم [بها] كل خير. {وَرِضْوَانٍ} منه تعالى عليهم، الذي هو أكبر نعيم الجنة وأجله، فيحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبدا {وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} من كل ما اشتهته الأنفس، وتلذ الأعين، مما لا يعلم وصفه ومقداره إلا اللّه تعالى، الذي منه أن اللّه أعد للمجاهدين في سبيله مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

بيان للدرجة العظيمة التي في قوله: {أعظم درجة عند الله} [التوبة: 20] فتلك الدرجة هي عناية الله تعالى بهم بإدخال المسرّة عليهم، وتحقيق فوزهم، وتعريفهم برضوانه عليهم، ورحمته بهم، وبما أعد لهم من النعيم الدائم. ومجموع هذه الأمور لم يمنحه غيرهم من أهل السقاية والعمارة، الذين وإن صلحوا لأن ينالوا بعض هذه المزايا فهم لم ينالوا جميعها.

والتبشير: الإخبار بخير يحصل للمخبَر لم يكن عالماً به.

فإسناد التبشير إلى اسم الجلالة بصيغة المضارع، المفيد للتجدّد، مؤذن بتعاقب الخيرات عليهم، وتجدّد إدخال السرور بذلك لهم، لأنّ تجدّد التبشير يؤذن بأن المبشّر به شيء لم يكن معلوماً للمبشَّر (بفتح الشين) وإلاّ لكان الإخبار به تحصيلاً للحاصل.

وكون المسند إليه لفظ الربّ، دون غيره ممّا يدلّ على الخالق سبحانه، إيماء إلى الرحمة بهم والعناية: لأنّ معنى الربوبية يَرجع إلى تدبير المربوب والرفق به واللطف به، ولتحصل به الإضافة إلى ضميرهم إضافة تشريف.

وتقدّمت الرحمة في قوله: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1].

والرضوان بكسر الراء وبضمها: الرضا الكامل الشديد، لأنّ هذه الصيغة تشعر بالمبالغة مثل الغُفران والشُكران والعِصيان.

والجنّات تقدّم الكلام عليها في ذكر الجنة في سورة البقرة، وجمعها باعتبار مراتبها وأنواعها وأنواعِ النعيم فيها.

والنعيم: ما به التذاذ النفس باللذات المحسوسة، وهو أخصّ من النِعمة، قال تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم} [الانفطار: 13] وقال: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} [التكاثر: 8].

والمقيم المستمرّ، استعيرت الإقامة للدوام والاستمرار.

والتنكير في {برحمة، ورضوان، وجنات، ونعيم} للتعظيم، بقرينة المقام، وقرينة قوله {منه} وقرينة كون تلك مبشرّاً بها.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

...ففائدة البشارة أن تغري الإنسان بسلوك السبيل الذي يحققها.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

والرحمة تمثل لطف الله ورعايته وعنايته في الحياة الدنيا والآخرة، ويوحي الرضوان بمعانٍ روحيّة تنساب في مشاعرهم روحاً وأمناً وطمأنينة، بينما تشير الجنات إلى ما ينتظركم من السعادة الروحيّة والمادية التي تثير فيهم كل مشاعر الغبطة والسرور..