الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله، وتؤثرون المكث بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام "إنِ اسْتَحَبّوا الكُفْرَ على الإيمَانِ "يقول: إن اختاروا الكفر بالله على التصديق به والإقرار بتوحيده. "وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ" يقول: ومن يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين، ويؤثر المقام معهم على الهجرة إلى رسول الله ودار الإسلام "فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ" يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم هم الذين خالفوا أمر الله، فوضعوا الولاية في غير موضعها وعصوا الله في أمره. وقيل: إن ذلك نزل نهيا من الله المؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

تحتمل الولاية الموافقة لهم في الحقيقة في الدين. ومن تولاهم في الحقيقة فهو منهم، وهو ظالم لا شك... ثم الولاية التي نهانا عنها تخرج على وجوه:

أحدها: المودة والمحبة؛ أي لا تودوهم ولا تحبوهم.

والثاني: ألا نتخذهم موضع سرنا وبطانتنا بقوله (لا تتخذوا بطانة من دونكم) الآية [آل عمران: 118].

والثالث: ولاية الطاعة لهم؛ أي لا تطيعوهم بقوله: (إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم) الآية [آل عمران: 100] وقوله: (إن تطيعوا الذين كفروا يرودكم) [آل عمران: 149]. نهانا أن نحبهم، ونودهم، ونهانا أيضا أن نتخذهم موضع سرنا، ونفشي إليهم أسرارنا، ونهانا أن نطيعهم في ما يدعوننا إليه، ويسرون، والله أعلم، للخلاف الذي بيننا وبينهم في الدين.

وقوله تعالى: (إن استحبوا الكفر على الإيمان)؛ أي اختاروا الكفر على الإيمان، والمحبة ههنا محبة الاختيار والإيثار.

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

فيه نهيٌ للمؤمنين عن موالاة الكفار ونصرتهم والاستنصار بهم وتفويض أمورهم إليه وإيجاب التبرّي منهم وترك تعظيمهم وإكرامهم، وسواءٌ بين الآباء والإخوان في ذلك...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

واتخاذهم أولياء: هو أن يعتقدوا موالاتهم ووجوب نصرتهم فيما ينوبهم، وليس ذلك بمانع من صلتهم. والإحسان إليهم، لأنه تعالى حث على ذلك، فقال:"وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا". والأولياء جمع ولي وهو من كان مختصا بإيلاء التصرف في وقت الحاجة. وقال الحسن: من تولى المشرك فهو مشرك. وهذا إذا كان راضيا بشركه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

مَنْ لم يَصْلُحْ بطاعته لربه لا تَسْتَخْلِصْه لصحبة نَفْسِك.

أحكام القرآن لإلكيا الهراسي 504 هـ :

يدل على أن حكم الله تعالى يغلب حكم القرب والنسب، ويدل على أن تولي الكافر تعظيم، فلذلك أطلق تعالى فيمن يفعل ذلك أنه ظالم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم...}، ظاهر هذه المخاطبة أنها لجميع المؤمنين كافة، وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة، وروت فرقة أن هذه الآية إنما نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر، فالمخاطبة على هذا هي للمؤمنين الذين كانوا في مكة وغيرها من بلاد العرب خوطبوا بأن لا يوالوا الآباء والإخوة فيكونون لهم تبعاً في سكنى بلاد الكفر، ولم يذكر الأبناء في هذه الآية إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء و «إخوان» هذه الآية جمع أخ النسب، وكذلك هو في قوله تعالى: {أو بيوت إخوانكم} وقرأ عيسى بن عمر «أن استحبوا» بفتح الألف من «أن» وقرأ الجمهور «إن بكسر الألف على الشرط، و {استحبوا} متضمنة معنى فضلوا وآثروا ولذلك تعدت ب» على «ثم حكم الله عز وجل بأن من والاهم واتبعهم في أغراضهم فإنه ظالم أي واضع للشيء غير موضعه، وهذا ظلم المعصية لا ظلم الكفر.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: نَفَى اللَّهُ الْمُوَالَاةَ بِالْكُفْرِ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ خَاصَّةً، وَلَا قُرْبَى أَقْرَبُ مِنْهَا، كَمَا نَفَاهَا بَيْنَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ، بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}؛ لَيُبَيِّنَ أَنَّ الْقُرْبَ قُرْبُ الْأَدْيَانِ لَا قُرْبُ الدِّيَارِ وَالْأَبَدَانِ..

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِحْسَانُ بِالْهِبَةِ وَالصِّلَةِ مُسْتَثْنَى من الْوِلَايَةِ: لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ؛ قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ رَاغِبَةً، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: صِلِي أُمَّكِ). وَتَمَامُهُ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: {لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ...} الْآيَةَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إمَّا بِالْمَآلِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَإِمَّا بِالْأَحْكَامِ فِي الْعَاجِلَةِ، وَذَلِكَ ظُلْمٌ أَيْ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْمَوْضِعِ الْمَوْضُوعِ فِيهِ كُفْرًا وَإِيمَانًا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{الكفر} وهو تغطية الحق والتكذيب {على الإيمان} نبه بصيغة الاستفعال على أن الإيمان لكثرة محاسنه وظهور دلائله معشوق بالطبع، فلا يتركه أحد إلا بنوع معالجة ومكابرة لعقله ومجاهدة.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

...قد علم مما تقدم أنه لما أعلن الله تعالى براءته وبراءة رسوله من المشركين، وآذنهم بنبذ عهودهم، وبعود حال القتال بينهم وبين المؤمنين كما كانت، بعد أن تبث بالتجربة أنهم لا عهود لهم يوفى بها، ولا أيمان يبرونها، بل يعقدونها عند الخوف، وينقضونها عند الشعور بالقدرة على الفتك ـ كما تقدم شرحه مفصلا ـ عز ذلك على بعض المسلمين، وفتح به باب لدسائس المنافقين وتبرم ضعفاء الإيمان، وكان أكثرهما من الطلقاء الذين أعتقهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، كان هو السبب لما تقدم من تكرار الأمر بقتال المصرين على الشرك، الناقضين للعهد، وتأكيده، وإقامة الدلائل على وجوبه، وكونه مقتضى الحق والعدل والمصلحة، وإنما كان موضع الضعف من بعض المسلمين في ذلك نعرة القرابة، ورحمة الرحم، وبقية عصبية النسب، إذ كان لا يزال لكثير منهم أولو قربى من المشركين يكرهون قتالهم، ويتمنون إيمانهم، ويرجونه إذا تركوا وشأنهم، بل كان لبعض ضعفاء الإيمان منهم بطانة ووليجة منهم. فبعد أن بين الله تعالى لهم ما تقدم مما أشرنا إليه آنفا، وقفى عليه بفضل الإيمان والجهاد والهجرة، وحبوط أعمال المشركين حتى ما كان منها خيرا في نفسه، كسقاية الحاج والعمارة الصورية للمسجد الحرام، بعد هذا بين لهم أن ما ذكر من فضل الإيمان والهجرة والجهاد، وما بشر الله به أهله من رحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم، لا يتم إلا بترك ولاية الكافرين، وإيثار حب الله ورسوله والجهاد في سبيله على حب الوالد والولد، والأخ والزوج والعشيرة والمال والسكن.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يمضي السياق في تجريد المشاعر والصلات في قلوب الجماعة المؤمنة، وتمحيصها لله ولدين الله؛ فيدعو إلى تخليصها من وشائج القربى والمصلحة واللذة، ويجمع كل لذائذ البشر، وكل وشائج الحياة، فيضمها في كفة، ويضع حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله في الكفة الأخرى، ويدع للمسلمين الخيار.

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء -إن استحبوا الكفر على الإيمان- ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. قل: إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم، وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها.. أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره. والله لا يهدي القوم الفاسقين)..

إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا؛ فإما تجرد لها، وإما انسلاخ منها. وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة؛ ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة.. كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب، ويخلص لها الحب، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة، وهي المحركة والدافعة. فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة؛ على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة.

ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع؛ وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض. فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والإخوة وبالزوج والعشيرة؛ ولا عليه أن يتخذ الأموال والمتاجر والمساكن؛ ولا عليه أن يستمتع بزينة الله والطيبات من الرزق -في غير سرف ولا مخيلة- بل إن المتاع بها حينئذ لمستحب، باعتباره لونا من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها ليتمتع بها عباده، وهم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب.

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء -إن استحبوا الكفر على الإيمان)

وهكذا تتقطع أواصر الدم والنسب، إذا انقطعت آصرة القلب والعقيدة. وتبطل ولاية القرابة في الأسرة إذا بطلت ولاية القرابة في الله. فلله الولاية الأولى، وفيها ترتبط البشرية جميعا، فإذا لم تكن فلا ولاية بعد ذلك، والحبل مقطوع والعروة منقوضة.

(ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون)..

و (الظالمون) هنا تعني المشركين. فولاية الأهل والقوم- إن استحبوا الكفر على الإيمان -شرك لا يتفق مع الإيمان.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

حذر الله المؤمنين من موالاة من استحبّوا الكفر على الإيمان، في ظاهر أمرهم أو باطنه، إذا اطّلعوا عليهم وبدت عليهم أمارات ذلك بما ذَكَر من صفاتهم في هذه السورة، وجعل التحذير من أولئك بخصوص كونهم آباء وإخواناً تنبيهاً على أقصى الجدارة بالولاية ليعلم بفحوى الخطاب أنّ مَن دونهم أولى بحكم النهي. ولم يذكر الأبناء والأزواج هنا لأنّهم تابعون فلا يقعدون بعدَ متبوعيهم.

وقوله: {فأولئك هم الظالمون} أريد به الظالمون أنفسَهم لأنّهم وقعوا فيما نهاهم الله، فاستحقّوا العقاب فظلموا أنفسهم بِتسبّب العذاب لها، فالظلم إذن بمعناه اللغوي وليس مراداً به الشرك. وصيغة الحصر للمبالغة بمعنى أنّ ظلم غيرهم كلا ظلم بالنسبة لعظمة ظلمهم.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

فمن اختار الإيمان على الكفر، وكان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما والاه المؤمنون، وكانوا له إخوانا وأعوانا، ومن اختار غير ذلك نبذه المؤمنون ظهريا، واعتبروه نسيا منسيا.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

... الإيمان هو الذي يحدد الولاية لا النسب والمال:

إنه الموقف الإيماني الرافض لكل عاطفةٍ حميمةٍ في العلاقات الإنسانية الممتدة في روابط القرابة والصداقة، إذ كان لتلك العلاقات موقفٌ سلبيٌّ ضد الله ورسوله، من خلال ما تنطلق به من شركٍ بالله، وحربٍ لرسوله وللمؤمنين. فلا بدّ للإيمان من أن يعبّر عن نفسه بالوقوف في خط المواجهة في الداخل لكل المشاعر الذاتية المتعاطفة مع هؤلاء الذين يتصلون بالإنسان بصلة القربى، وبالرفض لكل تواصلٍ وتفاعلٍ إيجابي في الجوانب العملية، بما يؤيّد به الناس بعضهم البعض، وفي ما يقومون به في المجال الاجتماعي من مواقف الولاية القائمة على الإخلاص والنصرة والتأييد. فقرابة المؤمن لله أعظم من أيّة قرابةٍ، وموالاته له أكبر من أيّة موالاةٍ لغيره، لأن المعنى العميق للإيمان، في مدلوله الحقيقي، هو أن يكون الله هو الأساس في كل العلاقات الإنسانية التي يبنيها المؤمن هنا أو يهدمها هناك. فلا مجال للاستسلام لما تمثله المشاعر الحميمة الذاتية من نقاط الضعف التي تفصل بين حركة العلاقات الذاتية في النطاق ذاته، بل إن الإيمان هو الذي يحدّد للعلاقات حركتها ومواقعها في الاتجاه المتصل بالامتداد الشامل، في الفكر والشعور والعمل، انطلاقاً من الإيمان بوحدة الشخصية الإنسانية في ما تفكر به وتتعاطف معه، وفي ما تقفه من مواقف، فلا مكان للازدواجية التي تفصل بين شخصية الإنسان الذاتية، وشخصيته الإيمانيّة.

وهذا هو الموقف الحاسم الذي أرادت هاتان الآيتان أن تركّزاه وتؤكداه في حركة التشريع والممارسة.

الولاية لا تتحرك في خط القرابة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ} والولاية توحي بدعم الموقف بالنصرة والتأييد، أو الاستسلام للجانب العاطفيّ الذي يفرض على الإنسان ضغوطاً شعورية تمنعه من التحرك في خطّ الولاية الشاملة لله ولرسوله، فتعطّل بذلك مسيرة الإيمان التي تدعو إلى فراق الأهل، من أجل الدعوة والجهاد.

{إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} فاختاروا الكفر خطاً لحياتهم في مواجهة خط الإيمان، لأن ذلك هو الخط الفاصل، الذي يمثل الحدّ الذي يريد للمؤمنين أن يقفوا عنده ولا يتجاوزوه. فعلى المؤمنين أن يقفوا مع حركة الإيمان بكل قوّةٍ وصلابةٍ حتى لو كلفهم ذلك التمرّد على مشاعرهم الذاتية، بل ربّما كان من الضروريّ العمل على تربية المشاعر، بحيث تكون حركة العاطفة منسجمةً مع حركة الفكر، {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ} بالنصرة والتأييد والطاعة {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الذين ظلموا أنفسهم، وتمرّدوا على ربّهم، وظلموا الحياة من خلال ما يمثله موقفهم من عدوانٍ على الحياة، في إضعاف الحق وتقوية الباطل.

ويتعاظم الأسلوب القرآني ويتصاعد ليتجاوز علاقة القرابة، إلى كل علاقةٍ أخرى تربط الإنسان بالجانب المادي في الحياة، في ما يمكن أن يضعف موقف الإنسان ويعطل حركته في الاتجاه بعيداً عن مقتضيات الإيمان في مواقع التضحية والبذل والتحدي. فلا بد للمؤمن من أن يفرّغ فكره وروحه وشعوره من أيّة عاطفةٍ سلبيّةٍ تمنعه من السير في الاتجاه السليم لحركة الإيمان، ليشعر بأن قيمة الخط الإيماني والعلاقات الإيمانية، هي أغلى من قيمة أيّ شيء آخر، مهما كان غالياً، ومهما كان عظيماً في تأثيره...