{ جنات عدن } بدل من { عقبى الدار } . والعَدْن : الاستقرار . وتقدم في قوله : { ومساكن طيبة في جنات عدن } في سورة براءة ( 72 ) .
وذكر { يدخلونها } لاستحضار الحالة البهيجة . والجملة حال من { جنات } أو من ضمير { لهم عقبى الدار } ، والواو في { ومن صلح من آبائهم } واو المعية وذلك زيادة الإكرام بأن جعل أصولهم وفروعهم وأزواجهم المتأهلين لدخول الجنة لصلاحهم في الدرجة التي هم فيها ؛ فمن كانت مرتبته دون مراتبهم لَحِق بهم ، ومن كانت مرتبته فوق مراتبهم لحقُوا هم به ، فلهم الفضل في الحالين . وهذا كعكسه في قوله تعالى : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } [ سورة الصافات : 22 ] الآية لأن مشاهدة عذاب الأقارب عذابٌ مضاعف .
وفي هذه الآية بشرى لمن كان له سلف صالح أو خلف صالح أو زوج صالح ممن تحققت فيهم هذه الصلاة أنه إذا صار إلى الجنة لحق بصالح أصوله أو فروعه أو زوجه ، وما ذكر الله هذا إلا لهذه البشرى كما قال الله تعالى : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء } [ سورة الطور : 21 ] .
والآباء يشمل الأمهات على طريقة التغليب كما قالوا : الأبوين .
وجملة { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب } عطف على { يدخلونها } فهي في موقع الحال . وهذا من كرامتهم والتنويه بِهم ، فإن تردد رسل الله عليهم مظهر من مظاهر إكرامه .
وذكر { من كل باب } كناية عن كثرة غشيان الملائكة إياهم بحيث لا يخلو باب من أبواب بيوتهم لا تدخل منه ملائكةٌ . ذلك أن هذا الدخول لما كان مجلبة مسرة كان كثيراً في الأمكنة . ويفهم منه أن ذلك كثير في الأزمنة فهو متكرر لأنهم ما دخلوا من كل باب إلا لأن كل باب مشغول بطائفة منهم ، فكأنه قيل من كل باب في كل آنٍ .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى:"جَنّاتُ عَدْنٍ" ترجمة عن عقبى الدار، كما يقال: نعم الرجل عبد الله، فعبد الله هو الرجل المقول له: نعم الرجل، وتأويل الكلام: أولئك لهم عقيب طاعتهم ربهم الدار التي هي جنات عدن. وقد بيّنا معنى قوله: «عدن»، وأنه بمعنى الإقامة التي لا ظَعْن معها.
وقوله: "وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائهِمْ وأزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ "يقول تعالى ذكره: جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وَصَفْتُ صفتهم، وهم الذين يوفون بعهد الله، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم، وأقاموا الصلاة، وفعلوا الأفعال التي ذكرها جلّ ثناؤه في هذه الآيات الثلاث، "وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهم وأزْوَاجِهِمْ" وَهِيَ نِساؤُهُمْ وأهلوهم وذرّياتهم. وصلاحهم: إيمانهم بالله واتباعهم أمره وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام... وقوله: "وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهم مِنْ كُلّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ" يقول: تعالى ذكره: وتدخل الملائكة على هؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هذه الآيات الثلاث في جنات عَدْن، من كلّ باب منها، يقولون لهم: "سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ" على طاعة ربكم في الدنيا، "فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ"... وحذف من قوله: "وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهمْ مِنْ كُلّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ" «يقولون» اكتفاء بدلالة الكلام عليه...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
... الصلاح: استقامة الحال إلى ما يدعو إليه العقل أو الشرع. والمصلح من يفعل الصلاح، والصالح المستقيم الحال في نفسه.
(والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) أي يدخلون من كل باب بالتحية والكرامة، وفي ذلك تعظيم الذكر للملائكة...
في الآية دلالة على أن ثواب المطيع لله سروره بما يراه في غيره من أحبته، لأنهم يسرون بدخول الجنة مع من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وهم أولادهم، وذلك يقتضي سرورهم بهذا الخبر...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يتم النعمة عليهم بأن يجمع بينهم وبين مَن يُحبون صحبتهم مِنْ أقاربهم وأزواجهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
وبينها بقوله: {جنات عدن} أي إقامة طويلة... وهي أعلى الجنان؛ ثم استأنف بيان تمكنهم فيها فقال: {يدخلونها}.
ولما كانت الدار لا تطيب بدون الحبيب، قال عاطفاً على الضمير المرفوع إشارة إلى أن النسب الخالي غير نافع: {ومن صلح} والصلاح: استقامة الحال على ما يدعو إليه العقل والشرع {من آبائهم} أي الذين كانوا سبباً في إيجادهم {وأزواجهم وذرياتهم} أي الذين تسببوا عنهم؛ ثم زاد في الترغيب بقوله سبحانه وتعالى: {والملائكة يدخلون عليهم} لأن الإكثار من ترداد رسل الملك أعظم في الفخر وأكثر في السرور والعز.
ولما كان إتيانهم من الأماكن المعتادة مع القدرة على غيرها أدل على الأدب والإكرام، قال: {من كل باب}
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
التقييد بالصلاح قطعٌ للأطماع الفارغة لمن يتمسك بمجرد حبل الأنساب...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{جنات عدن} بدل من {عقبى الدار}. والعَدْن: الاستقرار. وتقدم في قوله: {ومساكن طيبة في جنات عدن} في سورة براءة (72).
وذكر {يدخلونها} لاستحضار الحالة البهيجة. والجملة حال من {جنات} أو من ضمير {لهم عقبى الدار}، والواو في {ومن صلح من آبائهم} واو المعية وذلك زيادة الإكرام بأن جعل أصولهم وفروعهم وأزواجهم المتأهلين لدخول الجنة لصلاحهم في الدرجة التي هم فيها؛ فمن كانت مرتبته دون مراتبهم لَحِق بهم، ومن كانت مرتبته فوق مراتبهم لحقُوا هم به، فلهم الفضل في الحالين. وهذا كعكسه في قوله تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} [سورة الصافات: 22] الآية لأن مشاهدة عذاب الأقارب عذابٌ مضاعف.
وفي هذه الآية بشرى لمن كان له سلف صالح أو خلف صالح أو زوج صالح ممن تحققت فيهم هذه الصلاة أنه إذا صار إلى الجنة لحق بصالح أصوله أو فروعه أو زوجه، وما ذكر الله هذا إلا لهذه البشرى كما قال الله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} [سورة الطور: 21].
والآباء يشمل الأمهات على طريقة التغليب كما قالوا: الأبوين.
وجملة {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} عطف على {يدخلونها} فهي في موقع الحال. وهذا من كرامتهم والتنويه بِهم، فإن تردد رسل الله عليهم مظهر من مظاهر إكرامه.
وذكر {من كل باب} كناية عن كثرة غشيان الملائكة إياهم بحيث لا يخلو باب من أبواب بيوتهم لا تدخل منه ملائكةٌ. ذلك أن هذا الدخول لما كان مجلبة مسرة كان كثيراً في الأمكنة. ويفهم منه أن ذلك كثير في الأزمنة فهو متكرر لأنهم ما دخلوا من كل باب إلا لأن كل باب مشغول بطائفة منهم، فكأنه قيل من كل باب في كل آنٍ.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وقوله تعالى في هذا السياق: {ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} فيه إشارة واضحة إلى أن البيئة التي تشيع فيها مثل هذه الخصال ينتشر فيها الخير والبر، حتى يشمل جميع أعضائها وأفرادها، لأنهم يتنفسون في جو مفعم بالطهر والصلاح والقدوة الحسنة، فيرثون الصلاح خلفا عن سلف، وأبا عن جد...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.