اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّـٰتِهِمۡۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَابٖ} (23)

قوله : " جنات عدن " يجوز أن يكون بدلاً من " عُقْبَى " وأن يكون بياناً ، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر ، وأن يكون متبدأ خبره " يَدْخُلونهَا " .

وقرأ النخعي : " جَنَّة " بالإفراد ، وتقدم الخلاف في { يَدْخُلُونَهَا } [ الرعد : 13 ] والجملة من " يَدْخُلونَهَا " تحتمل الاستئناف أو الحالية المقدرة .

قوله : " ومَنْ صَلَحَ " يجوز أن يكون مرفوعاً عطفاً على الواو ، وأغنى الفصل بالمفعول عن التأكيد بالضمير المنفصل ، وأن يكون منصوباً على المفعول معه ، وهو مرجوح .

وقرأ ابن أبي عبلة " صَلُحَ " بضم اللام ، وهي لغة مرجوحة .

قوله : { مِنْ آبَائِهِمْ } في محل الحال من " مَنْ صَلَحَ " و " مِنْ " لبيان الجنس .

وقرأ عيسى الثقفي : " ذُرِّيتَهُم " بالتوحيد ؟

فصل

قوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ } هو القيد الثاني ، وقد تقدم الكلام في { جَنَّاتُ عَدْنٍ } عند قوله { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } [ التوبة : 72 ] .

والقيد الثالث : هو قوله " ومَنْ صَلَحَ " قال ابن عباس : يريد من صدق بما صدقوا به وإن لم يعمل مثل أعمالهم .

وقال الزجاج : " بين تعالى أن الأنساب لا تنفع إذا لم يحصل معه أعمال صالحة " ، بل الآباء والأزواج والذريات لا يدخلون الجنة إلا بالأعمال الصاحلة .

قال الواحدي : " والصحيح ما قاله ابن عباس ؛ لأن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بحضور أهله في الجنة ، وذلك يدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع ، الآتي بالأعمال الصالحة ، ولو دخلوها بأعمالهم الصالحة لم يكن في ذلك كرامة للمطيع ، فلا فائدة في الوعد به ، إذ كل من كان صالحاً في عمله فهو يدخل الجنة " .

قال ابن الخطيب : " وهذه الحجة ضعيفة ؛ لأن المقصود بشارة المطيع بكل ما يزيده سروراً وبهجة ، فإذا بشر الله المكلف أنه إذا دخل الجنة يجد أباه وأولاده ، فلا شك يعظم سروره بذلك وهذا الذي قاله وإن كان فيه مزيد سرور ، لكنه إذا علم أنهم إنما دخلوا الجنة إكراماً له كان سروره أعظم وبهجته أتم " .

قوله : " وأزْوَاجُهُمْ " ليس فيه ما يدل على التمييز بين زوجة وزوجة ، ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه ، قاله ابن الخطيب .

وفيه نظر ؛ لأنه لو مات عنها فتزوجت بعده غيره لم تكن من أزواجه ، بل الأولى أن يقال : إن من ماتت في عصمته فقط .

والقيد الرابع : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } [ قيل : من أبواب الجنة ، وقيل : من أبواب القصور ، وقال الأصم : من كل باب ] من أبواب البر كباب الصلاة وباب الزكاة وباب الصبر ، يقولون : نعم ما أعقبكم الله بهذه الدار .

فصل

تمسّك بعضهم بهذه الآية على أن الملك أفضل من البشر فقال : ِإنه سبحانه ختم مراتب سعادات البشر بدخول الملائكة عليهم على سبيل التحية والإكرام والتعظيم والسلام ، فكانوا أجل مرتبة من البشر لما كان دخولهم عليهم موجباً علو درجتهم وشرف مراتبهم ، ألا ترى أن من عاد من سفره أو مرضه فعاده الأمير والوزير والقاضي والمفتي فتعظم درجته عند سائر الناس فكذا هاهنا .