البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّـٰتِهِمۡۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَابٖ} (23)

وقرأ الجمهور : جنات ، والنخعي : جنة بالإفراد .

وروي عن ابن كثير ، وأبي عمرو : يدخلونها مبنياً للمفعول .

وقرأ ابن أبي عبلة : ومن صلح بضم اللام ، والجمهور بفتحها ، وهو أفصح .

وقرأ عيسى الثقفي : وذريتهم بالتوحيد ، والجمهور بالجمع .

وقرأ ابن يعمر : فنعم بفتح النون وكسر العين وهي الأصل ، كما قال الراجز :

نعم الساعون في اليوم الشطر *** وقرأ ابن وثاب : فنعم بفتح النون وسكون العين ، وتخفيف فعل لغة تميميمة ، والجمهور نعم بكسر النون وسكون العين ، وهي أكثر استعمالاً .

قال مجاهد وغيره : ومن صلح أي عمل صالحاً وآمن انتهى .

وهذا يدل على أن مجرد النسب من الصالح لا ينفع ، إنما تنفع الأعمال الصالحة .

وقيل : يحتمل قوله : ومن صلح أي : لذلك بقدر الله تعالى وسابق علمه .

قال ابن عباس : هذا الصلاح هو الإيمان بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذه بشارة بنعمة اجتماعهم مع قراباتهم في الجنة .

والظاهر أنّ ومن معطوف على الضمير في يدخلونها وقد فصل بينهما بالمفعول .

وقيل : يجوز أن يكون مفعولاً معه أي : يدخلونها مع من صلح .

ويشتمل قوله : من آبائهم ، أبوي كل واحد والده ووالدته ، وغلب الذكور على الإناث ، فكأنه قيل : ومن صلح من آبائهم وأمهاتهم .

والملائكة يدخلون عليهم من كل باب أي : بالتحف والهدايا من الله تعالى تكرمة لهم .

قال أبو بكر الورّاق : هذه ثمانية أعمال تشير إلى ثمانية أبواب الجنة ، من عملها دخلها من أي باب شاء .

قال الأصم : نحو هذا قال : من كل باب باب الصلاة ، وباب الزكاة ، وباب الصبر .

ولأبي عبد الله الرازي كلام عجيب في الملائكة ذكر : أن الملائكة طوائف منهم روحانيون ، ومنهم كروبيون ، فالعبد إذا راض نفسه بأنواع الرياضات كالصبر والشكر والمراقبة والمحاسبة ، فلكل مرتبة من هذه المراتب جوهر قدسي وروح علوي يحفظ لتلك الصفة مزيد اختصاص ، فعند الموت إذا أشرقت تلك الجواهر القدسية تجلت فيها من كل روح من الأرواح السمائية ما يناسبها من الصفة المخصوصة ، فيفيض عليها من ملائكة الصبر كمالات مخصوصة نفسانية لا تظهر إلا في مقام الصبر ، ومن ملائكة الشكر كمالات روحانية لا تتجلى إلا في مقام الشكر ، وهكذا القول في جميع المراتب انتهى .

وهذا كلام فلسفي لا تفهمه العرب ، ولا جاءت به الأنبياء ، فهو كلام مطرح لا يلتفت إليه المسلمون .

قال ابن عطية : وحكى الطبري رحمه الله في صفة دخول الملائكة أحاديث لم نطول بها لضعف أسانيدها انتهى .