يقول تعالى مخبرا عن نوح ، عليه السلام ، أنه أنهى إليه ، وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء ، أنه مع البيان المتقدم ذكره ، والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى : أنهم عصوه وكذبوه وخالفوه ، واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله ، ومتع بمال وأولاد ، وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام ؛ ولهذا قال : { وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا } قُرئ { وَوُلْدُهُ } بالضم وبالفتح ، وكلاهما متقارب .
هذه الجملة بدل من جملة { قال رب إني دَعوت قومي } [ نوح : 5 ] بدلَ اشتمال لأن حكاية عصيان قومه إياه مما اشتملت عليه حكاية أنه دعاهم فيحتمل أن تكون المقالتان في وقت واحد جاء فيه نوح إلى مناجاة ربه بالجواب عن أمره له بقوله : { أنْذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } [ نوح : 1 ] فتكون إعادة فعل { قال } من قبيل ذكر عامل المبدل منه في البدل كقوله تعالى : { تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا } [ المائدة : 114 ] ، للربط بين كلاميه لطول الفصل بينهما .
ويحتمل أن تكون المقالتان في وقتين جمعها القرآن حكاية لجوابيه لربه ، فتكون إعادة فعل { قال } لما ذكرنا مع الإِشارة إلى تباعد ما بين القولين .
ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن ما سبقها من قوله : { قال رب إني دعوت قومي } إلى هنا مما يثير عجباً من حال قومه المحكي بحيث يتساءل السامع عن آخر أمرهم ، فابتدىء ذكر ذلك بهذه الجملة وما بعدها إلى قوله : { أنصاراً } [ نوح : 25 ] . وتأخير هذا بعد عن قوله { قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً } [ نوح : 5 ] ارتقاء في التذمر منهم لأن هذا حكاية حصول عصيانهم بعد تقديم الموعظة إليهم بقوله : { يرسل السماء عليكم مدراراً إلى قوله : { سُبُلاً فجاجاً } [ نوح : 1120 ] .
وإظهار اسم { نوح } مع القول الثاني دون إضمارٍ لبعد معاد الضمير لو تحمَّله الفعل ، وهذا الخبر مستعمل في لازم معناه ، كما تقدم في قوله : { قال رب الخ . وتأكيد الخبر ب ( إن ) للاهتمام بما استعمل فيه من التحسر والاستنصار .
ثم ذكر أنهم أخذوا بقول الذين يصدونهم عن قبول دعوة نوح ، أي اتبعوا سادتهم وقادتهم . وعدل عن التعبير عنهم بالكبراء ونحوه إلى الموصول لما تؤذن به الصلة من بطرهم نعمة الله عليهم بالأموال والأولاد ، فقلبوا النعمة عندهم موجب خسار وضلال .
وأدمج في الصلة أنهم أهل أموال وأولاد إيماء إلى أن ذلك سبب نفاذ قولهم في قومهم وائتمار القوم بأمرهم : فأموالهم إذ أنفقوها لتأليف أتباعهم قال تعالى : { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله } [ الأنفال : 36 ] ، وأولادُهم أرهبوا بهم من يقاومهم .
والمعنى : واتبعوا أهل الأموال والأولاد التي لم تزدهم تلك الأموال والأولاد إلاّ خساراً لأنهم استعملوها في تأييد الكفر والفساد فزادتهم خساراً إذ لو لم تكن لهم أموال ولا أولاد لكانوا أقل ارتكاباً للفساد قال تعالى : { وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً } [ المزمل : 11 ] .
والخسار : مستعار لحصول الشر من وسائلَ شأنُها أن تكون سبب خير كخسارة التاجر من حيث أراد الربح ، فإذا كان هؤلاء خاسرين فالذين يتبعونهم يكونون مثلهم في الخسارة وهم يحسبون أنهم أرشدوهم إلى النجاح .
ومَا صْدَق { مَنْ } فريقٌ من القوم أهل مال وأولاد ازدادوا بذلك بطَراً دون الشكر وهم سادتهم ، ولذلك أعيد عليه ضمير الجمع في قوله : { ومكَروا ، } وقوله : { وقالوا ، } وقوله : { وقد أضلُّوا كثيراً } [ نوح : 24 ] .
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وأبو جعفر { وَولَده } بفتح الواو وفتح اللام ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف { وَوُلْدُه } بضم الواو وسكون اللام ، فأما الولد بفتح الواو وفتح اللام فاسم يطلق على الواحد من الأولاد وعلى الجمع فيكون اسم جنس ، وأما وُلْد بضم فسكون فقيل : هو لغة في وَلَد فيستوي فيه الواحد والجمع مثل الفُلْك . وقيل : هو جمع ولَد مثل أُسُد جمع أَسَد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.