قوله تعالى :{ وكم أهلكنا من قرية } أي من أهل قرية ، { بطرت معيشتها } أي : في معيشتها ، أي : أشرت وطغت ، قال عطاء : عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام ، { فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً } قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يسكنها إلا المسافرون ومارو الطريق ، يوماً أو ساعة ، معناه : لم تسكن من بعدهم إلا سكوناً قليلاً . وقيل : معناه : لم يعمر منها إلا أقلها وأكثرها خراب ، { وكنا نحن الوارثين } كقوله : { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } .
يقول تعالى مُعَرّضًا بأهل مكة في قوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } أي : طغت وأشرَت وكفرت نعمة الله{[22381]} ، فيما أنعم به عليهم من الأرزاق ، كما قال في الآية الأخرى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } [ النحل 112 ، 113 ] ولهذا قال : { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا } أي : دَثَرت ديارهم فلا ترى إلا مساكنهم .
وقوله : { وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ } أي : رجعت خرابًا ليس فيها أحد .
وقد ذكر ابن أبي حاتم [ هاهنا ]{[22382]} عن ابن مسعود أنه سمع كعبًا يقول لعمر : إن سليمان عليه السلام{[22383]} قال للهامة - يعني البومة - ما لك لا تأكلين الزرع ؟ قالت : لأنه أخرج آدم بسببه من الجنة . قال : فما لك لا تشربين الماء ؟ قالت : لأن الله أغرق قوم نوح به . قال : فما لك لا تأوين إلا إلى الخراب ؟ قالت : لأنه ميراث الله عز وجل ، ثم تلا { وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ } .
{ وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } أي وكم من أهل قرية كانت حالهم كحالهم في الأمن وخفض العيش حتى أشروا فدمر الله عليهم وخرب ديارهم . { فتلك مساكنهم } خاوية . { لم تسكن من بعدهم إلا قليلا } من السكنى إذ لا يسكنها إلا المارة يوما أو بعض يوم ، أو لا يبقى من يسكنها من شؤم معاصيهم . { وكنا نحن الوارثين } منهم إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم في ديارهم وسائر متصرفاتهم ، وانتصاب { معيشتها } بنزع الخافض أو بجعلها ظرفا بنفسها كقولك : زيد ظني مقيم ، أو بإضمار زمان مضاف إليها أو مفعولا على تضمين بطرت معنى كفرت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.