فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۭ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثِينَ} (58)

قوله { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } أي من أهل قرية كانوا في خفض عيش ودعة ورخاء ، فوقع منهم البطر ، فأهلكوا . قال الزجاج : البطر الطغيان عند النعمة . قال عطاء : عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام . قال الزجاج والمازني : معنى { بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } بطرت في معيشتها ، فلما حذفت " في " تعدّى الفعل كقوله : { واختار موسى قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] . وقال الفراء : هو منصوب على التفسير كما تقول : أبطرك مالك وبطرته ، ونظيره عنده قوله تعالى : { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } [ البقرة : 130 ] ونصب المعارف على التمييز غير جائز عند البصريين ؛ لأن معنى التفسير : أن تكون النكرة دالة على الجنس . وقيل : إن معيشتها منصوبة ببطرت على تضمينه معنى : جهلت { فَتِلْكَ مساكنهم لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لم يسكنها أحد بعدهم إلاّ زمناً قليلاً ، كالذي يمرّ بها مسافراً فإنه يلبث فيها يوماً أو بعض يوم ، أو لم يبق من يسكنها فيها إلاّ أياماً قليلة لشؤم ما وقع فيها من معاصيهم . وقيل : إن الاستثناء يرجع إلى المساكن ، أي لم تسكن بعد هلاك أهلها إلاّ قليلاً من المساكن ، وأكثرها خراب ، كذا قال الفراء ، وهو قول ضعيف { وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين } منهم لأنهم لم يتركوا وارثاً يرث منازلهم وأموالهم ، ومحلّ جملة : { لَمْ تُسْكَن } الرفع على أنها خبر ثان لاسم الإشارة ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال .

/خ70