البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۭ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثِينَ} (58)

البطر : الطغيان .

هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم من إنعام الله عليم بالرقود في ظلال الأمن وخفض العيش ، فعظموا النعمة ، وقابلوها بالأشر والبطر ، فدمرهم الله وخرب ديارهم .

و { معيشتها } منصوب على التمييز ، على مذهب الكوفيين ؛ أو مشبه بالمفعول ، على مذهب بعضهم ؛ أو مفعول به على تضمين { بطرت } معنى فعل متعد ، أي خسرت معيشتها ، على مذهب أكثر البصريين ؛ أو على إسقاط في ، أي في معيشتها ، على مذهب الأخفش ؛ أو على الظرف ، على تقدير أيام معيشتها ، كقولك : جئت خفوق النجم ، على قول الزجاج .

{ فتلك مساكنهم } : أشار إليها ، أي ترونها خراباً ، تمرون عليها كحجر ثمود ، هلكوا وفنوا ، وتقدم ذكر المساكن .

و { تسكن } ، فاحتمل أن يكون الاستثناء في قوله : { إلا قليلاً } من المساكن ، أي إلا قليلاً منها سكن ، واحتمل أن يكون من المصدر المفهوم من قوله : { لم تسكن } : أي إلاّ سكنى قليلاً ، أي لم يسكنها إلاّ المسافر ومار الطريق .

{ وكنا نحن الوارثين } : أي لتلك المساكن وغيرها ، كقوله : { إنا نحن نرث الأرض } خلت من ساكنيها فخربت .

تتخلف الآثار عن أصحابها *** حيناً ويدركها الفناء فتتبع